لتجديد أصول الفقه.

بعد مقالي الأخير (تحفظ على ترتيب الإجماع)، كان لي نقاش علمي مع أخينا وشيخنا ولدبابا علي بشير، أستاذ مادة العلوم الإسلامية، وفقيه المذهب المالكي، وتلميذ شيخنا لخضر الزاوي حفظه الله، تداولنا مسألة قداسة الإجماع وإمكانية نقضه من عدمها.
لقد شاعت كثير من أقوال السلف تمنع مخالفة ما أُجمِع عليه، لكننا بعد تحري التاريخ التشريعي نجد على سبيل المثال أشهر قضية خولف فيها إجماع جماهير علماء الأمة، هي مسألة الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، الذي اعتبر طلاقا بائنا بينون كبرى، إلى أن انبرى الإمام ابن تيمية ومن تبعه بنقضه وقال بوقوعه طلاقا واحدا رجعيا إن كان في المرة الأولى أوالثانية، وأول من اعتبر الطلاق بالعمل لا بالقول، واضطربت مسامع الكثير من العلماء والمذاهب ضد هذا التحول الفقهي، وثارت معارك علمية متعاكسة بمختلف الأدلة وتوظيفها وفهومها.
إلا أن الذي تبين لنا أثناء الحوار أن الإجماع المنعقد بتعليل يمكن نقضه عند زوال علته، فالطلاق الثلاث بكلمة واحدة أوبثلاث كلمات زالت علة إيقاعه بينونة كبرى وهي تساهل الناس الذي وقع زمن عمر رضي الله عنه، فوجب الرجوع إلى دلالة النصوص القرآنية والحديثية في ذلك.
ومنه إجماع كثير من المالكية على كراهة صيام الست من شوال بعلة شبهة إلحاقها برمضان، وقد زالت العلة فانتقض إجماعهم، حيث صائمها من الناس ومفطرها.
ومنه الإجماع حول اشتراط القرشية للخليفة، وعلته هي عدم خضوع قريش لغيرها بسبب القوة والمنعة، أما الآن فأين هي قريش ومنعتها؟
ومنه الإجماع على سلطة شخص الخليفة على كل المسلمين، لعلة الرقعة الجغرافية الصغيرة للمسلمين وقلة عددهم، أما الآن فالعدد كثير، والرقعة كبيرة، يستعصي تنظيم خلافة بالشكل القديم، قد يقع إجماع على شكل جديد آخر كالنظام الفيديرالي.
ومنه أشكال الشورى، وأساليب تنصيب الحاكم، وغيرها مما كان مجمعا عليه علميا أوعمليا ولا يمكن الالتزام به ومشاقة الناس به الآن.
ومنه الإجماع على أن علة الولاية على المال هي الصغر، بينما ثبتت علة أشمل وهي السفه، فلا مناص من نقض الإجماع الأول الذي زالت علته، ولم يبق له سبب إلزام.
ومنه أشكال الإجماع على مسالك العلة، الذي بقي ظنيا بسبب مخالفة منكري القياس، ورأيهم مهم في انعقاده، لأنهم من طائفة المسلمين.
هذه الأشكال والأنواع لا مناص لسادتنا العلماء الأصوليين والفقهاء من النظر إليها لتنقيح وانتقاء المأثور من العلم الشرعي، أوما سمي الاجتهاد الانتقائي.
وسنعود في المقال المقبل بحول الله إلى الكلام على المصادر المختلف فيها بحول الله
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم