المشاعر والوطن قبل التخطيط.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيا معصوما يوحى إليه، إذ استنكر الناس العدول عن دخول مكة في العام السادس الهجري، فيجابون: أن لم يعدكم ربكم بدخول البيت الحرام هذا العام.
وإذ قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنود الصلح التي كان ظاهر بعضها إهانة للمسلمين، حتى قلبها الله لهم نصرا، [لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ? لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ? فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَ?لِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)] سورة الفتح.
لكنه لم يخفِ عنهم ما يبطن من عداوة كفرهم، وكره مكرهم، وعدم موالاتهم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ...01] سورة الممتحنة.
لأنه يعلم من الله تعالى كما نعلم نحن بكتابه الكريم أنهم لن يحبونا، ولن يرحمونا، ولن يرقبوا فينا إلا ولا ذمةً، وتمتلىء قلوبهم غيضا بكرهنا [إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)] سورة الممتحنة.
[هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)] سورة آل عمران.
ولم نعهد من حبيبنا المصطفى أن خاطبهم بما يلوِّح لهم بالمدح وهم على الكفر، ولا بالإطراء وهم على بغض المؤمنين، ولابالتزيين وهم يتربصون بنا الدوائر [قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ? وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ? فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)] سورة التوبة.
إنما كل ما وجدناه في سيرته أن عقد معهم معاهدات حسن الجوار وكف الأذى، متمسكا بكامل الشخصية الإسلامية والقوة الإيمانية.
ولم يفكر نبي الله صلى الله عليه وسلم أبدا في جلب منفعة منهم خارج إطار الشرع، ولا في تسيير منفعة منه إليهم، إلا منفعة الدعوة إلى الله وإلى دينه وعبادته.
العلاقات مع الكافر يضبطها فرض احترامه لنا، وتنفيذ الاتفاقات والعهود، بحزم ووفاء، لا بالتقدير، ولا بالمدح.
لو نطق أحد رعايا أوعوام المسلمين بما يوحي بأدنى من ذلك لم يضر المسلمين، لكن كلمة أوهمسة من النبي القائد محسوبة بدقة، لأن مصير أمته متعلق بها.
قد ينبه أحدنا إلى العلاقات السياسية والاقتصادية وحتى الجغرافية معهم، في إطار الاحترام المتبادل للاتفاقيات وفي حدود منع الاعتداء على الموروثات العقدية والتاريخية وغيرها، في أي فرصة، فهذا طبيعي جدا، بل ويجلب نظرهم الثاقب لقوة شخصيتنا، والحذر من تجاوز الخطوط الحمراء، خير من تزيين المدح والإطراء الجالب استهتارهم بنا، وضحكهم على ذقوننا، وهم على علم تام بمقاصد ذلك.
بعد غزوة الخندق قالها نبي الله صلى الله عليه وسلم بشموخ إيماني عظيم: اليوم نغزوهم ولا يغزوننا.[عن سُليمانَ بنِ صُرَد قال: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: حِينَ أجْلَى الأحْزَابَ عنْه: الآنَ نَغْزُوهُمْ ولَا يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إليهِم.] رواه البخاري.
عاد النبي صلى الله عليه وسلم أدراجه دون مكة، وهو القائد المعصوم، فضج الأنصار والمهاجرة، فماذا لو مدح أهل مكة من قريش الكافرة التي بينها وبين المسلمين بحار دماء؟
كيف ستكون مشاعر أتباعه المؤمنين من الأنصار والمهاجرين؟
قد يؤجل القائد الصراع مع العدو، لسر حكمة، لكن بتخطيط لا يضرب أحاسيس الأتباع، والمجروحين بالخصوص.
رحم الله الفريق أحمد قايد صالح الذي رفض لقاء ماكرون في السفارة الفرنسية بالجزائر، وكان يهاجم العصابة وحاميتهم فرنسا دون مداهنة بحجة المهادنة.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم