تحفظ على ترتيب الإجماع

من المعتاد في أدبيات علماء أصول الفقه الإسلامي، وتأليفاتهم عبر العصور التي حوت مصادر تشريع الأحكام، تقسيمها إلى نوعين، مصادر متفق عليها وهي أربعة، الكتاب والسنة والإجماع والقياس، رغم تحفظ البعض على القياس، ومصادر مختلف فيها كثيرة، وجعل الإجماع ثالث المتفق عليه، مع تدريس موضوع مقاصد التشريع مع المصادر، أومع القواعد الأصولية لأنها المعالم التي تضبطها.
إلا أنني بعد الدراسة والتأمل عبر سنوات، وقراءة جميع المصادر، وكثير من كتب الأصول، والنظر في الاسنتباط، وجدت مصادر مستنبطة للأحكام منشئة لها، سواء المتفق عليه أوالمختلف فيه، ومصدرا لا يستنبط الأحكام ولا ينشؤها، وهو الإجماع، وإنما يرفع بالاتفاق الجماعي للمجتهدين الأحكام من الظن بسبب الاختلاف، إلى القطع، فالحكم يكون ظني الدلالة على المراد، فإذا وقع عليه اتفاق المجتهدين صار قطعي الدلالة عليه، ما لم يدون في كثير من مؤلفات الأصول، إلا عند ابن تيمية رحمة الله عليه في حدود علمي، حيث كشف عن وظيفته. 
وحسب رؤيتي الملية فلا علاقة للإجماع أبدا بإنشاء الأحكام، ولو كان كذلك لما اشترطوا له الاستناد إلى الأدلة وخاصة النصية، فأصبحت تسمى (مستند الإجماع)، فلا أحبذ من الدارسين أومن ساداتنا الفقهاء والأصوليين قولهم عن الحكم 
(ثبت بالكتاب والسنة والإجماع)، لأن هذه الحقيقة العلمية غائبة عن كثير منهم، بل أحب أن يقال (بالكتاب والسنة وأجمع عليه المعلماء)، تصحيحا وتحقيقا لدوره كمثبت يقيني لا كدليل استنباط.
وقد نصيب إذا قلنا إنه أرقى أنواع المصادر، لتحكمه في دلالة الأدلة الكلية الأصولية، والجزئية الفقهية.
ولا غرو إن وجدنا كثيرا من مدرسي مادة الفقه أوأحاديث الأحكام يغالطون المتعلمين سهوا لا عمدا بإيهامهم أنها مستنبطة بمصدر ثالث وهو الإجماع، فحدث أن لم يعلم الكثير وظيفته بعدُ.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى وكنتيجة لما سبق، فإنني أرى أن وضعه بين مصادر الإنشاء خطأ عمليٌّ، بل أقترح تأخير ترتيبه إلى ما بعد أبواب المصادر كلها، لأنه خاتمة وحاصل النظر في الدلالة بعد مناقشة الأدلة الكلية، والأحكام الجزئية، فهو المتوج لها بالقطع واليقين إن حدث الاتفاق، وكأني بسادتنا علماء أصول الفقه والفقهاء، عندما يؤخرون تدريسه وذكره في مؤلفاتهم، يقررون عدم ثبوت الأحكام بهذه المصادر يقينا إلا به وإلا بقيت على الظن.
وتتويجا لما سبق كذلك يحسن تأخير تعليم وتدريس موضوع مقاصد الشريعة، لأنها مظنة ضبط الأحكام الجزئية بالخصوص، إذ يقرر جل سادتنا العلماء أن الحكم إذا خالف أوعارض مقاصد الشريعة لا يلتفت إليه ولا تستقيم به الفتوى، فهي معيار صحة أوبطلان القول في المسائل، لذلك يحسن التقرير أن جميع هذه المصادر، لا يثبت بها العلم إذا لم توافق مقاصد التشريع الإسلامي، لأنها ستكون مجانبة لرعاية الشارع مصالح العباد بجلب المنافع ودرء المفاسد، ثم تتوج العملية العلمية إما ببقاء اختلاف العمل بالنصوص أوالمصادر الأخرى، بسبب تباين الأفهام والاستنباطات بها، أوبالاتفاق الجالب للإجماع.
لقد بادرت إلى هذه الاقتراحات، لأن الواقع العملي يسير في هذا الاتجاه، بغير توافق مع الناحية الفكرية للتأليف في هذا الشأن.
والله نسأل حسن القصد من وراء هذا، وخالص التعلم وصدق التدبر.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم