السطحية الإلكترونية

يظهر منذ مدة في هذا الفضاء بعض التعقيبات والردود السطحية على المنشورات، يضيع معها إثراء المواضيع المطروحة بشكل جوهري حواري علمي فكري ناضج.
ويظهر لي والله أعلم أن من مظاهرها:
التسرع في التجوال والاطلاع على المنشورات، بغير قراءة متأنية تلج عمق فهمها.
غض كثير من البصر عن معظم ما يطرح خاصة إن كان مؤلفا من نصوص دون تقسيم أوتجزئة. 
اكتفاء البصر بخائنة العين من التقاط جزئيات تلفت الانتباه قد لا تكون من لب المنشور أوالمقال، إنما تأتي عرضا فقط من باب التفصيل، أوالتوضيح، أوالتمثيل.
التركيز على المثال وتأليف موضوع ذهني مستقل منه، والتشاحن حوله، رغم أنه ليس على سبيل الحصر، فتضيع فائدة قياس حالات أخرى عليه.
ومن أسباب ذلك في رأيي والله أعلم:
الندية والتنكر للقدرات المختلفة، وعدم الاعتراف بتفوق الغير، بسبب التقارب العمري، أوالسكني، أوالاجتماعي، أوالعلمي والفكري، أوالمهني، حتى وجدنا بين سطور تعبير البعض عللا معنوية حال حديثها النفسي يقول عن الآخر من أنت؟ ومنهم من يصرح بها، ولا غرو فقد حدث هذا بين علماء أجلاء، إذ لا ينجو بشر من هذا التحسس السيء. القلق النفسي الذي أحدثته التكنولوجيا السريعة الذي غرسته في نفوس متصفحي المواقع، بسبب كمها اللامتناهي، يدفع الفرد إلى استعجال التعرف على التالي، ولو لم يكن ذا بال، تماما كما حدثنا البعض عن تعاملهم المشوش مع القنوات التلفزية، بعكس تناول الكتاب أوالجريدة أوالمجلة بصبر مهما كانت أحجامها.
أما آثارها فأراها والله أعلم في النتائج التالية:
قصر فهم القضايا والمسائل المطروحة، لأن العادة تحيل فهم عمق الموضوع لمن اكتفى بمقدمته أوبعض توضيحاته، للعجلة في الانتقال إلى صفحة أخرى أوخبر، أومقال، أومنشور آخر.
اتهام الناشرين بكل ما لا يعجب المطلع وربما لو استكمل المتابعة وصبر كان له رأي آخر.
الانحراف في التعقيب والرد خاصة مع التركيز على جوانب لا هي من أركان المقال، ولا لها أثر واقعي ولا حتى شرعي.
الخصومة واللجج بعد ذلك، ما قد يؤدي إلى الانسحاب من الصداقة، أوالحظر بعدها بسبب بلوغ الجدال العقيم درجة البغضاء، ثم قد يؤول إلى الانسحاب من هذا الفضاء من قد يضيع علينا منافعه، أوتأثيره الإيجابي عليه، أواستفادته من غيره، وبالتالي إثبات العجز والفشل في التعايش الاجتماعي.
جعل البعض هذه المظاهر معيار التقييم الشخصي العلائقي خاصة بين أبناء الحي الواحد والمدينة الواحدة، فقد وجدنا من التدابر الاجتماعي ما يندى له الجبين، بسبب شيء بسيط اسمه رقن على أزرار حاسوب.
الخلاصة:
ننصح المتجولين في الفضاءات الإلكترونية باعتبارها زادا في الوسائل المتيحة للمعرفة السريعة والمقربة لما بعُدَ من المسافات.
وإما الإعراض عن قراءة المنشور إن كان هناك من هذا في النفس حاجة،، تجنبا لتداعياتها المرضية.
أوالقراءة السطحية السريعة لمن لم ينوِ المشاركة في الموضوع بتعقيب أورد أوإثراء.
أوالقراءة المتمعنة المتأنية والتركيز على مقاصد المواضيع وجواهرها لمن أراد الحوار والنقاش.
التمسك بالإنصاف في مناقشة الرأي الآخر، ولو حين نقده، أورفضه، أومخالفته، بترك هامش الصواب للغير، وهامش الخطأ للنفس.
تجنب التعقيب اللفظي العنيف، ووضع النفس في مقامات المقربين والغير في دركات الأسفلين، لأن كثيرا من هذه السلوكات الفكرية تسببت في التعالي والتدابر.
التفات الفرد منا إلى مكان الآخر، وكيف يؤثر عليه ذلك الوابل السيء.
ولا يغفلنَّ أحدنا عن استعمال اللفظ الرسول، الذي يكون واسطة اعتراف وتقريب واحترام بيني، لأن كثيرا من الكلمات والألفاظ تحتقر مآلاتها المتعدية إلى الكسب أوالتنفير، إلى التقريب أوالتبيين.
اتصاف الناشر وصاحب المقال بسعة الصدر لمعارضيه والمعقبين عليه، لأنه لم ينجُ أحد ممن برز للواجهة، لا إمام في مسجده، ولا أستاذ لتلاميذه، ولا مدير لمؤسسته، ولا حتى حاكم دولة لبلاده، ولينتظر كون موضوعه محل جدل  وأخذ ورد، ولا عصمة له من الخطأ، كما لا تنزيه لغيره بصواب.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم