بين المشروع وأساليبه.

المشروع يقوده فئة بين القصور، أوثوار بين الشعوب.
قال لي أحد الأحباب المحترمين عندما رآني أنتقد من أوافقهم في أساليب المشروع المأمول، وأنتقد من أخالفهم في بعض أساليب الحراك، (أنت تضع رجلا هنا ورجلا هناك)، فقلت له: حبي واحترامي لك لا يعني أن أوافقك في كل شيء، فحب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لم يمنعه أمرهم بالمعروف، ولا نهيهم عن المنكر، وعندما يفعل ذلك لا يقال له:
(إنك تضع رجلا هنا ورجلا هناك).
إن لصيق هذه الصفة هو من يضع رجلا في الكفر ورجلا في الإسلام، لا من يضع يدا في عهد، ويدا في نصح أونقد.
قد يُرى ناقدُ وناصحُ فئته ناكصا على عقبيه، وقد يراه مخالفوه معاديا، لكن الأمل في المشروع، والثقة في الرجال، لا يعني التوافق في كل وسائل وأساليب تحقيقه، لأنه الأصل المرغوب، وبعده مجرد طرق غير منزهة عن الخطأ.
ومثال ذلك، فالمشاركون في رئاسيات 12/12 اقتناعا بلزوم إخراج البلاد من مجهول كاد يعصف بها لا يعني تبريرهم كل خرجات سلطة كلفها الناس ولم يشرفوها، فإنقاذ البلاد من المجهول لا يبرر احتضان ما لا يُرتَضَى.حتى وإن كان الواقع الحاضر صدق ذلك، فهاهي أحداث ليبيا تحكي بالحال أن لو لم تُضفَ الشرعية على البلاد ولو بالنقصان لالتهمها معسكر الأعراب، أومعسكر الترك.
كما أن الاصطفاف مع محل الثقة هو على الأقل من قبيل ((من خدعنا بالله انخدعنا له))، ومن لوح لنا ببصيص أمل تبعناه إلى آخر الطريق، فإما نصرا وإما هزما حتى تضع الحرب أوزراها، لأنه ليس نبيا.
فقد سبق لأسوتنا الحسنة صلى الله عليه وسلم أن طلبت منه قبائل عصية ورعل وذكوان إرسال رجاله يعلمونهم القرآن، فأرسل إليهم القراء فقتلوهم، وهو نبي يخبره الوحي، لكن ليبين لنا طريقة التصرف مع النتائج اتفاقا أوخُلفا، لأننا لسنا أنبياء من بعده.
كما أن الاتفاق مع الثورة المناهضة للفساد والاستبداد والطغيان لا يعني بالضرورة تبرير كل أساليبها وسلوكاتها، فكم من ثورة في العالم ارتكبت حماقات رغم مشروعيتها، ولا غرو فأصحابها بشر غير معصومين، ولذلك ليس كل من انخرط في ثورة على الظلم أومشروع تحرري يعتبر مغتسلا بأنهار الجنة.
ولا يعني الوقوف مع من لا يميز بين البلاد والنظام، يأتي على الأخضر واليابس على حد سواء كالنار المهشمة، أوالماء الجارف، من العملاء والمحطمين، يضع البلد بين مخالب المتربصين، أومربعات الشطرنج، عوض توجيه السهام نحو النظام الفاسد، والحفاظ على الاستقلال ضد التبعية ووحدتها من التقسيم الجغرافي والديني والعرقي والجهوي.
ففي الجزائر الآن على سبيل المثال، قد يقف الشخص على مسافة متساوية، لأنه لم يرض أخطاء السلطة في التعاطي مع الشأن الداخلي والخارجي، ولم يرض بشارع سُلِبَ من أهله، واصطف فيه بعض المخلصين غفلة مع من يجاهر بسب الإسلام، ورفض الوطنية، وكل قيم أصالة الدولة التي أنشدها شهداء ثورة التحرير.
وهذا من تمام الصدق مع الذات، والثقة في النفس، والإمساك بالحرية، والعض عليها بالنواجذ، عوض التظاهر بتأييد طرف على آخر نفاقا أومداهنة.
فمن تمام الإنصاف ألا تقر لمن تؤيده بكل ما يسلكه.
وألا تتنكر لمن يخالفك في كل ما يقفه.
ومن تمام الإنصاف أن تدفع مفاسد موافقك.
وأن تقبل منافع مخالفك.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم