معاذير الحيرة على الأحكام السلطانية والترتيبات العسكرية.


رأيي أصاب أم أخطأ، منشؤه عين متابعة، ورؤية حرة، تبغي البيان المستقل، الموسِّع على المخالف، المستفيد من الموافق.
تابعت أحد الإرسالات المباشرة عن الوضع الداخلي، تناولت أثناءه الترتيبات العسكرية الجديدة، وتساؤلات الناس عنها بكل اهتمام، ويؤسفني أن الرد عليهم قبل توضيحها كان قاسيا (في رأيي)، ولم ينظر إلى معاذير التدخل في شؤون تخص تنظيمات ليست من صلاحياتهم.
وقد يكون رأي صاحبه صوابا إذا نظرنا إلى تاريخ السلط في العالم الإسلامي والغربي، التي حرصت على اعتبار نفسها تحت إمرة شعوبها خدمة ورعاية، وانتشرت بسببها الثقة المطمئنة، والاقتصادات الرغيدة، التي حذفت من الأذهان الاكتراث وصوبت انشغال الناس نحو أعمالهم كل في مجاله.
لكن الأمر عندنا يختلف تماما، لأنني أرى (والله أعلم) أن للناس أعذارا كثيرة لطرح حيراتهم كلما حدث تغيير على أحد فروع السلطة أوالجيش.
يصح القول إن السلطة ليست مجبرة على نشر تقارير دورية عن أعمالها لعديم أهلية اختبارها، خاصة ما تعلق بقضايا الدوائر الخاصة ومنها الأمنية، وحتى زمن دولة الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه لم يكن يتدخل كل الناس في تدبير الشأن الضيق، ولم نجد اعتراضات كثيرة على التخطيط العسكري أيام جهاده صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الخلفاء والحكام الملتزمين بخدمة رعاياهم.
لكن التجارب الجارحة كفيلة بتعميق الهوة المعنوية، لأن الشعب الجزائري عايش رعبا أمنيا، كان نهاره ليلا، وليله ظلاما موحشا.
فعندما نبحث عن مبررات التساؤل الشعبي ولو في غير اختصاصه نجدها موضوعية إلى أبعد الحدود، ومنها:
1/ عدم الوعي بالتنظيم وحدود الصلاحيات:
وأحمل في هذا الإطار كل الجمعيات والتنظيمات الحزبية بالدرجة الأولى على إهمال تكوين مناضليها في هذا الإطار، ومع ذلك تتعامل بمواقفَ خُلْفٍ مع واقعها اتجاه السلطة، فكثير من القيادات تشدد النكير على المتدخل فيما لا صلاحية له، لكنها تتدخل في ذلك بالضبط مع قرارات السلطة.
دون إهمال مختلف مسؤولي الإدارات في جميع المؤسسات الذين يقل من بينهم الذين يقتطعون شيئا من أوقاتهم لتكوين المستخدمين في هذا الإطار.
2/ عدم استقرار الثقة:
فالشعب الجزائري لم يستقر على ثقة موعودة، ولم يتبادلها مع أي من الحكام، الذين اهتم كثير منهم بنفسه، وبالظروف الدولية ولو على حسابه، لأنهم آخر من يتضرر.
3/ انعدام الولاء التام:
الشعب الجزائري لم يعط ولاءه التام لأي سلطة حكمته منذ الاستقلال، كنتيجة عن النقطة السالفة(2).
4/ الذعر من سوالف التاريخ البعيد، والقريب:
البعيد: صراعات بُعَيْدَ الاستقلال.
القريب: جرائم التسعينات.
5/ نتائج الأحداث:
فالمضحى به أولا وأخيرا هو الشعب، الذي يستعمل ذرائعيا وتَتَرُّسًا كلَّ مرة، من دواليب السلطة، وبعض معارضيها، ثم هو الذي يدفع ثمن ما لم يشتر، وسلعة ما لم يبع، يُهدر بها دينه وأنفس أفراده وأموالهم وأعراضهم بشكل جارف، ليس من السهل ترتيب نفسياتهم من جديد.
6/ الضغط الكبير على الشعب بالإشاعة المهولة، داخليا وخارجيا:
داخليا: بالدوافع الحسنة ، والسيئة المندسة.
خارجيا: المؤامرات المختلفة بالأصالة والنيابة العميلة.
7/ التحفظ المخفي للمعلومة الصحيحة:
التي يمكن لها القضاء على المسألة السابقة(6).
8/ تطور وسائل المعلومة وتنامي الوعي مقارنة بما سبق:
فالعالم يختلف عن عصور غابرة يصعب وقتها الحصول على المعلومة، ما يتيح للسلطة ممارسة نشاطها بارتياح كبير بعيدا عن ضغط المطالب والاعتراضات والتساؤلات، فالوسائل والأساليب تطورت بشكل رهيب سريع جدا يصعب التحكم فيه، وتغييب المعلومة عن أي فرد.
9/ عدم الاستقرار الأمني:
لو عدنا إلى القريب الأقرب لوجدنا الشعب لا يزال في هلع كبير من محاولة الانقلاب ضد القايد صالح رحمه الله، ثم التراجع، مما فُسر بمحاولة انقلاب على الجيش ليلتها، هذا لن يمر دون تسجيل بصمته السيئة الخطيرة على الذاكرة الجماعية التي ترى أن الوضع الأمني لم يستقر، خاصة فلول الإرهاب، والدولة العميقة التابعة للعصابة، ولذلك من عذرها أن تتساءل عن كل جديد.
10/ عدم الاستقرار الاقتصادي:
لو تمكن الناس من التحصيل المالي، والحاجي، والقدرة المادية والشرائية، لانشغلوا بها عن مجريات الأحداث على مستوى الدوائر الضيقة في السلطة.
هذه هي أعذار الشعب ـــ في رأيي ـــ التي تدفعه دوما إلى الانتباه إلى أبسط ترتيب أوإعادة تموقع أوتنصيب أوغيرها في السلطة أوالجيش، لا ينبغي ــ في نظري ــ إهمال قيمتها، ولذلك أدعو التلاحم الواضح الآن بين الجيش والسلطة إلى العمل الحثيث على الولوج إلى أعماق قلوب فرديات الشعب لبعثها من جديد نحو ثقة تامة وولاء واضح، كي يوقن أن كل الخطط لمصلحته لا لمصلحة نخبة على حسابه.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم