المواقف في إطار التكامل


قتل أحدُ ابني آدم أخاه لقصر النظر إلى قيمته، وسبق في قبول عمل، دون الالتفات إلى منافعه الأخرى،، وتسخط المرأة من زوجها لتحديق النظر إلى زلل بسيط متجاهلة عشرة طيبة طويلة تغطي شجرتها يقينا ما بدر منه،، لأن النساء يكفرن العشير.
رآني أحدهم وأنا في مكتبة الجامعة أقرأ كتابا للشيخ الداعية سعيد حوى رحمه الله، فأراد صرفي عنه لمجرد أشعريته لأنه لا ينتمي إلى فكره الحركي،، متغافلا عن فضائل الرجل وحسناته الكثيرة على الدعوة وشباب الصحوة والحركة الإسلامية وتنظيماتها.
في لقاء بين نخبة لاقتراح دعوة أحد الأقطاب إلى محاضرة،، استشاط فرد منهم غضبا لأن المزمع دعوته أشعري.
مثل هذه النماذج بين غافل يفوت على نفسه منافع عظيمة،، أومتحايل يَتَعَمَّد صرفه بالإيماء إلى أبسط زوايا السقطات متناسية مثال (ما أبيض أسنانه)، أومثال (انظر إلى نصف الكأس المملوء عوض النصف الفارغ).
لم نخلق على نسخة واحدة،، لذلك تصدق فينا سنة التدافع (وَلَوْلَا دَفْاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) سورة البقرة.
هذا يأخذ من هذا،، في نطاق سنن التكامل بين نقص هذا وتمام هذا والعكس،، فالزوجان لن يتعاشرا ما لم يتداولا التكامل،، وإلا اضطربت الحياة وانقرضت وتولد عن التساوي والتناظر خصام،، أوشَحَّت الدنيا على بعضها لغنى الكل عن الكل.
أذكر هذا تعميما على كل حالات الإدبار بسبب فلتة لا أثر لها على سائر المنافع في عالِمٍ أوهيئة أوحاكم أوتنظيم،،، ولا يصدر في رأيي إلا من مضطربي الحمق وسفهاء الأذهان،، أما الهادىء المميز الذي يرى بنور الأفق البعيد فيتحفظ من الهفوة وينتقدها ويوجهها،، لكنه لا يعرض عن سائر ما يحمله صاحبها من الخير الغالب.
روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان قوله: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"،،، فكل خير فيه لمعة دخن وكل شر فيه خوخة صفاء.
نسمع عمن يعرضون عن الخير كله لعثرة بسيطة فيفقد جوانب أخرى غير متعلقة بها.
ونشاهد من يستدرج غيره بالإغراء والتزوير والإشغال بجريرة أوموقف أونعت أواتجاه أوغير ذلك، لخلاف، بغية حرمان الأمة.
لنا في ذلك أمثلة كثيرة ،، قد يحدث لعالم تطاولات ضارة لقوله في موضوع باجتهاده في فهم أواستنباط أوبالنقل عن غيره،، فتنهال عليه الأقلام والأفواه بوابل التهم والتعريض والتشهير والقذف ساحبين المريدين فيبددون عليهم المصالح الكثيرة منه.
كلما أردت القراءة على أحد العلماء الأفاضل أتذكر قول أخي وزميل الدراسة الأستاذ الدكتور محمد دراجي (أنتفع من كل عالم في مجال اختصاصه)، ما يعني الإفادة من أيٍ كان ولو طاله النقد في مجالات أخرى.
وقل مثله عن الحكام الذين نرفض الكثير من جورهم، لكن النأي عن أي خير يصدر منهم جرم إنساني، لأنه لا مناص من القول للمحسن أحسنت، وفيما أحسن، وللمسيء أسأت، وفيما أساء، لأنه قد يجتمع الإحسان والإساءة، والنفع واللغو، والكر والكبو.
ومثله عن التنظيمات، وعلى رأسها تنظيم جماعة الإخوان المسلمين التي كان لها فضل السبق في إحياء قيمة الدعوة إلى الله واستهداف الخلافة الإسلامية الضائعة وتحكيم شرع الله تعالى، فلا ينبغي مظاهرة فضل كبير بسبب مواقف اجتهادية قد نخالفها فيها.
وأجزم أن هؤلاء المصابين بغفلة الصالحين استعملهم المتضررون من صدح العلماء العاملين والتنظيمات الناشطة والهيئات الواعية.
لقد حدث لغط كثير بعد تصريحات الأستاذ الدكتور رشيد بن عيسى عن اللغات وتعريجه على الفينيقية والأمازيغية والأصول العرقية.
حذر منه المتشبثون بأركان العقيدة بسبب تشيعه، دون التمييز بين ما يحمله من الفوائد التي نتلقاها، والمفاسد التي نصدها.
واستعمل المتضررون والمفضوحون من تصريحه الشماعة نفسها لتحقير موقفه، لاستغفال العامة، مستخدمين حيلة الإغراء المذهبي للدفع نحو هجرانه والحلول دون تجسيد حديثه فيما نفع.
إن الله تعالى لم يقل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13))، لكي نغلق أبواب التعامل مع المختلفين، إنما لكي يؤخذ منهم ويرد كما ورد عن الإمام مالك رحمه الله، وليس لتجاهل كل شيء، لأن الله تعالى لم يخلق أحدا كاملا لنأخذ عنه كل شيء، ولا ناقصا لنتقي منه كل شيء.
لو فقهت البشرية هذه القيمة لتعامل الناس بينهم باحترام اجتماعي راقٍ، لأن الاستفادة البينية تزيل كل الحروب والصراعات المختلفة حرصا على اعتزال تضييعها ولو بوجود الدخن.
فلننتبه إلى خطر الانكفاف عن النفع المغبر ببعض العطب،، غفلة وجهلا،، أوتسويقا يراد لنا بالحيلة والمكر.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم