إطلالتي على ضيافة مونقورنو


بعد جلب مجموعة أشخاص على ذمة الحجر الصحي لمدة أربعة عشر يوما في فندق مونقورنو بالبرواقية حدثت ردود أفعال مختلفة ميدانيا وعلى شبكة التواصل الاجتماعي، من منكرين بشدة، أومعذرين، أومعتبري الأمر عاديا.

لكنني أوجه كلامي الأخوي إلى مجموعة الرافضين المتوجسين من تحول الأمر إلى وسيلة تقدم لانتشار الوباء في المدينة، وهو من حقهم، لو نتناول الموضوع بقيم الحرية الحقيقية، وحيرتهم حول عدم إلجائهم إلى مشفى المدية.
ومع أني حر من أي التزام معنوي تجاه مستأجر الفندق.
وتمسكي بحريتي في إبداء رأيي مع أي جهة، لأنني لست في مقام الدفاع عن الشخص، بل هو يعلم اختلافي معه في مسائل لا نتفق عليها.
ومع نصحي إخواني المواطنين بقراءة كلامي دون خلفيات، وتجنب التسرع في المزايدة عليه.
فإنني أرشد أبناء بلدي عموما والبرواقية خصوصا إلى التعامل الهادىء مع هذه القضايا الشائكة الخطيرة والغامضة أطوارها أحيانا، لأن الحنق المتهور لا يحل إشكالا، ولأننا نجهل تماما الخفليات وراء هذا الإجراء.
فالمعلومات الدقيقة الحقيقية عن عدد المصابين في المدية بالضبط ليست بحوزتنا.
وكم تمنيت من السلطات إفادتنا بالعدد الصحيح كي نهرع إلى اتخاذ احتياطات صارمة إضافية للحد من انتشار الوباء، لكن ماذا نفعل والإحصائيات ليست بأيدينا؟
فلا العين بصيرة، ولا اليد طويلة.
ولا ندري لعل عدد الإصابات كثر في مدينة المدية حقيقة، وصعب التحكم فيه لوجيستيا.
ومع التزام مستأجر الفندق بتسخيره في حالات الضرورة.
ففي رأيي لا تطاوعنا عادات كرمنا على رفض إيواء إخوان لنا ابتلاهم الله مثل غيرهم من الجزائريين في مختلف ربوع البلاد.
ثم لابد في نظري من الالتفات إلى زاوية أخرى، وهي أن الله تعالى قد يعافي هؤلاء المحجور عليهم صحيا ويبتلينا، فكيف تكون طلباتنا وأوضاعنا؟ وأين يتم إسعافنا؟ ومن يتكرم بقبول إيوائنا؟ ومن ليس له حق رفضه؟
وهل يعلم إخواني أن لنا بعض البرواقيين في البليدة لم يرفضهم أحد؟
والزاوية الأخرى الواجب الإطلال عبرها هي جزائريتهم مثلنا، ولهم حق المواطنة في أي بقعة من البلاد، والجزائر كلها وطنهم، ومن حقهم الاستفادة من هذه البلاد في شرقه وغربه ووسطه وجنوبه.
والكل يعلم أن من بين المحجور عليهم طبيب كان يشرف على علاج المرضى، فمن منا يتقبل منه الانتقام لو ساق القدر أحدنا إليه؟
وإلا فمن حق ساكني البليدة رفض معالجة مريض السرطان بها، والمدية معالجة مريض السل بها، وتيزي وزو معالجة مريض فقرات الظهر بها، وغيرها من المدن، وهو ما يأباه مبدأ المواطنة.
ومع ذلك تمنيت من مستأجر الفندق لو استشار أعيان المدينة وشخصياتها ومثقفيها قبل الالتزام مع السلطات الحاكمة وإرغام نفسه على تنفيذه.
ماذا لو بلغ الاحتجاج مسامع المعنيين وجرحت مشاعرهم؟ أهذا يليق بحسن ضيافتنا؟
ألم يكن أجدادنا يقيمون الولائم لمثل هؤلاء؟
أين هي الوحدة الوطنية التي نتغنى بها إذا رفضناهم؟
أقول هذا الكلام رغم اعتباري الالتزام منه تسرعا.
أين هو الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الجوار؟ قال الله تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) سورة التوبة. وإيوائه أهل الصفة، وإيواء من آوت أم هانىء ونحن ندعي الإسلام؟
ألم يكن عرب قريش يجيرون الرجل ويحذرون من إيذائه بما أنه تحت ذمتهم؟ ومنهم المطعم بن عدي الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم؟ وابن الدغنة الذي أجار أبابكر رضي الله عنه؟
ورغم ذلك أبقى متحفظا من هذا الإجراء خاصة وأنه في فندق قريب من السكان الذين نخشى عليهم انتقال العدوى بشكل أوبآخر لو تهاون عمال ومسيرو الفندق، ما أعتبره عذر رفض البعض.
ثم إذا تمسك أيٌ منا بحق الاعتراض، فليس من حريته الطعن في شخصية الرجل وإصابة العائلة كلها بالأذى وهي بريئة، ويصل إلى حد الفتنة البينية.
ولا التعامل مع الأمر بعنصرية وجهوية ومد اللسان والأنامل والأقلام إلى الأصول.
فقد يضطر أحدنا إلى الرحيل إلى مدينة أخرى بسبب العمل أوشيء آخر، إلى تزويج ابنته في مدينة غير البرواقية، فهل يتقبل الطعن في شخصه أوابنته؟
ولا رفض القضية بإشاعات وأنباء غير حقيقية عن مكنونات الفندق.
لأن النيات محلها القلوب التي لا يطلع على أسرارها إلا الله تعالى فقط، فالادعاء بما عند الله من الشرك، قال الله تعالى(والله يعلم أسرارهم) سورة محمد.
ولا أن يتناول المسألة أيٌ كان، إنما من العادات الاجتماعية أن توكل إلى أكابر القوم يعالجونها بالحكمة اللازمة.
كما أتوجه بالنصيحة الأخوية للسيد بلقاسم خلاف بالتشديد والصرامة مع المحجور عليهم تجنبا لاختلاطهم بالناس، كي يتحقق مقصد نجاة المحيط من الوباء بحول الله.
وبتقبل ردود الأفعال لأنها صادرة من صدق تجاه المدينة وأهلها، وهلع من انتشار الوباء لو فقد التعامل الصارم مع الحالة، وليس برد غاضب كما فعل.
وأرشد كل مكترث إلى الجلوس مع الرجل والتحاور معه بهدوء وإبداء الإخلاص نحو أهل المدينة لا غير، لعله يجد ما لم يكن يعلم.
وأدل كل معذر للرجل أومؤيد له إلى ضرورة التدثر برداء الأخلاق تجاه المعارضين وضرب عرض الحائط بالسب والشتم والتعيير، حفاظا على مشاعرهم ووحدة الشعب، فلكل عذره، وكل شيء يزول ويفنى ويبقى الود بيننا.
أرجو التمعن في كلامي والتعامل معه بمنطق وعقل لا بسذاجة.
سائلا الله تعالى التوفيق في عودتنا إليه وتوبتنا من معاصينا وتطهيرنا من ذنوبنا كي لا يعذر داء، ولا يطول مكوثه بين ظهرانينا.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم