محطات بعد الانتخابات


المحطة الثالثة:
جانب الطبقة السياسية.

إن السلطة لن تنجح في تسيير البلاد دون رقابة تحرسها من الانزلاق، وهذا لن يتأتى بالأفراد كما كان عليه الشأن في قديم الزمان حين كانت الشعوب جماعات قليلة العدد، إنما عن طريق مؤسسات مخولة دستورا وقانونا، بالمجالس المنتخبة والمنظمات والجمعيات والأحزاب، لأن العمل الفردي ليس له كبيرأثر مثل التنظيم.
لقد أثبتت الأعوام والأيام والقواعد والممارسات وطبيعة القيادات أن عمل الأحزاب السياسية في الجزائر لم يرق إلى مستوى تطلعات الجماهير الشعبية في النهوض بالبلاد وتحريرها وتطهيرها وتقويتها، ومراقبة عمل السلطة، بل غرقت في مستنقع المصالح الذاتية، وانبهرت بالحراسة الأمنية، وانغمست في المكانة الاجتماعية، وانخرطت في الامتيازات الشخصية، مع تعالٍ عن التخندق مع الشعب، بقيادات مترفعة عن العوام، تعيش في أبراج وهمية، بعضها يبخل ولو بمجرد تحية أوسلام، وهي بهذا الوصف لا تسمو إلى رتبة استشراف آمال الشعوب.
لذلك أرى كثيرا من المراجعات تنتظر الطبقة السياسية في محطة ما بعد الانتخابات الرئاسية.
فإما أن تندثر لمن أراد خِلفة تضخ دماء فكرية ومعنوية وعملية جديدة تنعش الآمال، وإما أن تقرأ الواقع بشكل نقدي لتتبوأ دورها الفعال في مرافقة السلطة الجديدة بخارطة طريقها مراقبة ونصحا عبر القنوات الرسمية القانونية.
لذلك أرى أن تهتم بما يلي:
1/ تفعيل حراك حزبي يغربل ساحتها للتخلي عن العادات الكاريزماتية الزعاماتية الأنانية للقائد، وبرامجها وقوانينها وأنظمة تسييرها، لتؤسس لمحور الهيئة فقط.
2/ تمكين الرقابة الداخلية قبل الممارسة الخارجية.
3/ تمكين الشباب الجامعي من التنظيم ممن تعلم الآليات الجديدة في التسيير.
4/ استقلالية القرار وسيادة الموقف والتحررمن الضغوطات الداخلية والإملاءات الخارجية، مثلما يحدث مع معظم الأحزاب الموالية لمختلف السلط الحاكمة في العالم، فإن طبيعة الشعب الجزائري تختلف عن غيره دينا ولغة وأعرافا وجغرافيا وتاريخا وغيرها، مما تصطدم به كل محاولات العمالة الخارجية والضغوط الداخلية، من السلطة أوالمعارضة المغايرة أوالجماهيري غير الواعية.
5/ الابتعاد عن الموازنات الخاطئة في تقدير المواقف، فموازنة تؤول إلى تأييد مرشح غير مراهن عليه مسبقا، يمتهن تسريع السباق، ونغمة العرس، أمر يهوي بالحزب في درك السياسة.
6/ الابتعاد عن فكرة التزكية أوالاكتفاء بالمشاركة فقط، لأن الحزب وجد لاستلام السلطة والتنافس على خدمة البلاد بما عنده من برامج، لا للتفرج.
7/ ترك مداهنة الشعب إذا تعلق الأمر بمصلحته وهو يملي غيرها، لعدم إدراكه الواقع، ولو بإغضاب الجماهير والغوغاء، لأن بعضا من الأحزاب المقاطعة للانتخابات هذه المرة لم تجرؤ على ذلك في رأيي إلا تحرجا من تهمة منتظرة موجهة لها من قبل حراك الشارع، ولأنها تشاحنت في الالتفاف حول مرشح توافقي (وهو ما أرفضه)، فآثرت التقوقع الحزبي الضيق على النظرة الوطنية الواسعة، عكس ما نجده في أدبياتها التأسيسية.
8/ التخلي عن فكرة التوافق الانتخابي في أية مناسبة استحقاقية، فالحزب تأسس ليكون بديلا عن غيره يقود البلاد ببرامجه وأفكاره، وللمراقب الآخر الحكم بعد تمام العهدة، وإلا فلتذب في غيرها إن لم تكن واثقة بما عندها من رصيد.
9/ الابتعاد عن لوثة التسول على عتبات المؤسسات، كالحكومة على سبيل المثال لاستوزار بعض رموزها، إذ لا يعقل أن ينأى حزب عن الانتخاب ثم يتسول الوزارات بحجة التعاون على تسيير البلاد، وهو لم يستطع تسيير حزب والخروج به إلى الترشح لتسيير بلاد كاملة، وفي هذا ما عليه إلا الرقابة ثم انتظار الدور، لا أن يشارك النازل إلى المعركة، العائد منها بقوة شعبية، الفائز انتخابيا في غنيمته.
10/ تغليب المواقف على الأطماع وانتظار اعتبار الزمن وأحداثه لها من دونه، فكيف يعارض حزب سياسة معينة وإذا رآها أفلحت سارع إلى بيان استعداده للحوار وما شابهه دون شجاعة إعلان خطأ تقديره للأحداث وصانعيها.
بهذا الشكل يمكن في رأيي تكوين طبقة سياسية واعية الذهن قوية الطرح بديلة الغير تعمل كإضافة فعالة لا كراية لواحة.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم