التيه الوطني الإسلامي قبالة التاريخ

التائهون من الوطنيين والإسلاميين وحتى المخلصين من العلمانيين بين ترهات الأنانية والزعاماتية والكاريزماتية الشخصانية لم يتفقوا على مرشح الإجماع، ثم يصطفون بحسن أوسوء نية مع غير المخلصين لوطنهم، مبررين الفشل الفكري والانزواء الأناني بانعدام الثقة في المسار الحالي ومشروعه، باعتباره مجرد استنساخ وتجديد واجهة النظام، وقد صوروا قديما أنهم صانعوا الواقع.

فإن صدق لهم المدَّعَى، فقد فرَّطوا في نوبة سانحة لمنع هذا التجديد بهبة شعبية كبيرة نحو الصناديق لمنع التزوير، ومن ثم اختيار الرئيس الشرعي الوطني الذي يقود البلاد إلى الوجهة الصحيحة وسحب الشراع إلى غير الاتجاه المتحفظ منه، ولو بالتدرج كما يفعل كثير من الأنظمة في العالم، مستقوين بالشرعية الشعبية القوية، وإن لم يُصِبْ تخمينهم فهو تضييع مرافقته في السبيل الصحيح غير معذور، وخطأ جسيم غير مغتفر، ومشاركة في نقش نسخة جديدة لمافيا مستخرجة.ولعل بعضهم كان يرتب شروطا على مقاسه، فلم يسلم الله لهم التمكين.ثم ينسبون إلى شعب أوهنوه زورا وبهتانا رفضَ الانتخابات، ليُخَدِّروه بما تبقى لهم من وهم قيادهم وعقالهم، كما فعل أبو سفيان رضي الله عنه ليلة الفتح وهو يستصحب إمامته وقلادته على قريش وقد انتهت ولم يبق منها إلا معدودون على الأصابع، حتى أدركه نور الكتائب العظيمة ليلتحق بركب الحق، إلا أنه لم يضيِّع المشهد فأعلن وأسلم قبل فوات الأوان.
فلا هم قدموا أحدهم، ولا عملوا على تقليص الراغبين لئلا تُشَتَّتَ الجهود، ولا أعانوا أحدا على التوقيعات بأحزابهم المهيكلة لتكفيه شر التعب، وانعدام الخبرة الانتخابية.
فقد خذلوا القضية الوطنية، ويأسوا الشعب، وبعدها يتمعضون من ترسيم الخمسة، بحجة فسادهم القديم وانتمائهم إلى العصابة، وأينا لم يعمل، ولم تكن له وظيفة أومنصب تحت عرشها؟
من لم تكن له اتصالات، ومحاورات، ولقاءات سياسية وديبلوماسية معها بين سراديب الرئاسة والحكومة والفنادق الفخمة؟
فقد مكَّنوا لهم بتيههم.
لماذا ترشح كثير منهم قبلُ في ظل تنظيمها تلك الرئاسيات؟
هل كانت الظروف الانتخابية وقتها مناسبة؟
هل كانت اللجان الوطنية والولائية نزيهة؟
ألم يكونوا في كل مرة يوهموننا بنظافة تلك اللجان؟ ثم يعترفون بالنتائج؟ ويتعاملون مع الرئيس الفائز بصفته رئيسا شرعيا للجمهورية؟
لقد اضطروا المخلصين إلى حيرة التمييز الصعب بين الورقة المعبرة أوالبيضاء، أوبين أخف المرشحين ضررا.
يُطْلُونَ بعض الأتباع بصبغة المقاطعة لتبرير مجانبة التاريخ الذي قد يبكون عليه بدموع نساء تسيل على ذقون الرجال، معبدين الطريق لاستئناف مشروع التغريب والتجهيل والتفقير والتخوين.
سيعضُّون الأنامل من الندم، ويقطعون أيديهم من قتل مراحل أولى لصنع المستقبل الجميل، كما يقطع الشيعة اللحوم حسرة على قتلهم الحسين، لا كما قطعت نسوة المدينة أيديهن من جمال يوسف.
وسواء تحقق أم لم يتحقق بصيص الأمل في نجاة وطننا من الوصاية الفرنسية، بسواعد الرجال المخلصين الحامين للحمى، فلن أأسف عليهم لأن الدين له رب يقيض له ناشريه بين الناس كغيث الماء بين الزروع، بل أطلب حينها من التاريخ لعنهم ورميهم في قماماته، فالإسلام لا يتوقف عليهم، وكم من صحابي جليل استشهد في وقائع الوغى ولم تتوقف دعوة الله بسببه.
سأؤيد الرئيس القادم بشرعية إن استكمل مشروع التطهير والتحرير، وإن كان مجرد مجدد لحكم بائد سأحملهم المسؤولية الكبيرة عند الله تعالى ثم عند التاريخ الجزائري.
لأننا أمام مخرج واحد فقط، ومخاض عسير، بعد الخطر المداهم لنا من ورائنا، ولن أرضى اصطفافي مع مدمري بلادهم، فإن رضينا بالرئيس القادم بحول الله فالحمد والشكر لله، وإلا فأقول لهم حسبي الله ونعم الوكيل لأجل بلدي.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم