الوحي بين القدرة البشرية والفرق الزمني:

حينما يتناول القارىء ظاهرة الوحي الرباني الخارقة التي بيَّن من خلالها الله تعالى الفرق بين القدرة البشرية والزمن المتفاوت، يلاحظ ما يلي:
1/ القدرة عليه:
قوَّى الله تعالى بعض خلقه بقدرة على تلقيه، تفضلا لسابق تميز على سائرهم، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي مُكِِّنَ من رؤية سيدنا جبريل عليه السلام في هيئته الحقيقية رغم الاختلاف في عدد المرات، ولم يره غيره إلا في هيئة الصحابي دحية الكلبي أوالرجل المسافر الذي لم يظهر عليه أثر السفر، ودون علم مسبق منهم، قال تعالى:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (102))سُورَةُ الشُّعَرَاءِ، ورغم ذلك رجع إلى خديجة رضي الله عنها في حالة ذعر وقشعريرة، ، ولو وجد مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره في وقفة أوجلسة واحدة لما استطاع رؤيته بصورته لأنه لا يدخل في طاقته، وقل مثل ذلك على تكليم موسى عليه السلام، قال تعالى:(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ 143) سُورَةُ الأَعْرَافِ، ولم يُتِحْ تلك القدرة لغيره، بل ولم يتجلَّ له ربه، ولو رآه فعلا لحدث له أكبر مما حدث للجبل الذي اندكَّ، قال تعالى:(قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ 143) سُورَةُ الأَعْرَافِ. وذُلِّلَ لمحمد صلى الله عليه وسلم الوحيُ بصلصلة الجرس، رغم ما يجده من الثقلِ والارتجافِ وتصببِ العرق الكثير إلى أن يعي ما يلقى إليه من ربه، ما لا يُعْطَى لغيره ولو بشكل خفيف.
2/ الفرق الزمني:
أ/ الفارق:
من تعاريف الوحي أنه الإشارة السريعة الخفية، فلا تستغرق محادثة الله تعالى أنبياءه مدة ثوانٍ قليلة، لأن اليوم عند الله تعالى يساوي ألف سنة مما في دنيانا، لذلك لا ينبغي تصور يوم القيامة على سبيل المثال أن يكون كيومنا هذا، بل هو يوم طويل جدا يساوي ما ذكرنا، ولذلك نجد الرؤيا في المنام تتم في سرعة خفية كالبرق، وعادة ما تنتهي باستيقاظ النائم في جوف الليل أوالصبح أوغيرهما، ويتهيأ له أن حلمه تم في يوم كامل أوأيام حسب القصة التي مرت على روحه وهي راجعة إليه بألغازها أوحقيقتها أوهواجسها، وذلك من ضعف قدرة الإنسان على الغيبيات، رغم أنها تساوي 1 من 46 أي 0.022 من النبوة، قال تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)سورة الزمر، وقد فسر علي بن أبي طالب رضي الله عنه إرسال الأخرى إلى أجل مسمى بعودة الروح، ولذلك فإن الله لم يكلم موسى عليه السلام في يوم كامل كما قد يفهم البعض، بل في سرعة معجزة، لأنه نوع من الوحي، فذلك اليوم الذي تهيأ له، يساوي في الزمن عند الله تعالى تلك اللحظات فقط.
ولذا قد نقيس حياة الإنسان عاش مئة سنة على هذه الأرض بـ : 0.1 من اليوم في حسابه سبحانه وتعالى.
ومنه الحديث القدسي الذي يُعَرِّفُهُ الكثير بكون معناه من الله ولفظه من النبي صلى الله عليه وسلم دون بيان كنه المعنى من الله، إذ هو تلك الإشارات السريعة الخفية المرسلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يترجمها بكلام إلينا، كمن يشير إليه شخص بعيد عنه يطلب منه شيئا، أويذكره بشيء، فيترجم لنا ذلك بكلام، ولله المثل الأعلى.
ب/ أثره على القدرة والتحمل:
وعطفا على ما سبق، فإن الرؤيا في المنام لو استمرت أكثر من ذلك الوقت ــ وهي من الوحي ــ لجُنَّ أوحدث له مكروه شديد، وقل ذلك على تكليم موسى، والإنزال على النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره من الأنبياء.
ولذلك نجد ثقلا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وتصبُّبَ العرقِ على كل جسده الشريف، بسبب الوحي بصلصلة الجرس بطول نسبي للوقت، مقارنة بغيرها من أنواعه أوالرؤى في المنام، أورؤية جبريل عليه السلام.
لأن ذلك من أمور الغيب التي يطلع الله عليها المختارين من عباده.(ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ179) سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
هذا ما استلهمته من موضوع علوم القرآن يغيب عن أذهان الكثير من عجائب الوحي التي لم أستطع إيفاءها حقها، ولم أَبْغِ الإطالة على القراء الأفاضل خشية الملل.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم