رأيي في غلق منافذ العاصمة:

لا أريد أن أكون متناقضا مع دراساتي الإسلامية، وتدريسي لتلاميذي، عن قيم الإسلام الموافقة لمبادىء الزمان، ومنها الحريات العامة، ومن تفاصيلها حرية التنقل، التي كفلها الإسلام وكل الأعراف القانونية والاجتماعية والدولية، وقديما أيام ولادة الصحوة الإسلامية كنا نعارض بشدة، مسألة الحواجز الحدودية وجوازات السفر بين بلدان العالم الإسلامي، بل كنا نهزأ بها، ونعتبرها لوثة العمالة للاستعمار الأجنبي، وهو الحقيقة التاريخية، إضعافا لشوكة المسلمين.  لقد عانينا كثيرا من التضييق على حرية التنقل في عشرية التسعينات بعد الانقلاب على إرادة الشعب بالحواجز الأمنية والمعنوية، إذ كنا نمتنع عن التنقل خشية المكروه، إلا لضرورات ملحة.ولعل مكانة الأشياء بأضدادها تعرف.ولقد استبشرنا خيرا كثيرا بحماية الجيش الوطني الشعبي للمتظاهرين السلميين منذ الثاني والعشرين فبراير ما أحرج العصابة وعلى رأسها الوزير الأول وحكومته حينها، إذ شهدنا التحام الشعب الجزائري بكل أطيافه ومن كل جهات الوطن في عاصمة البلاد والولايات كل جمعة، وذلك بضمان حرية التنقل.ثم بدأت الأمور تنحرف عن مسارها الصحيح بانقسام الشعب إلى وفي للوطن لإخراجه من الأزمة المفتعلة بإطالتها من قبل المتحولين عن الوفاء، المنسقين مع الهيئات والحكومات والمخابرات الخارجية لتحقيق مآربها بإخراج الحراك عن أهدافه ومنازعة القوة التي تحميه، وولادة المطالب التعجيزية، واستخدام الغرباء والأجانب في شوارع العاصمة، مع رفع الشعارات التي قد تورد البلاد المهالك.  فبادرت قيادة الجيش الوطني إلى غلق منافذ العاصمة في وجه فئة تهدد الأمن القومي.       ولو أن الأمر خفف من تعداد الداخلين إليها، وحجم مسيرات يوم الجمعة 20/09/2019م الموافق لـ 21/01/1441هـ، ومكن من السيطرة على إمكانية تغلغل المتسللين.      إلا أن مجرد الأمر بالتضييق على مداخل العاصمة أجج نفوس المعارضين، واستفز عزمهم على دخولها مهما كانت التكاليف، كما رأينا وقرأنا وسمعنا قبل يوم الحراك.  إن الإنسان عموما، والمعارض خصوصا، والمشاكس على الأخص، يتعصب ضد المنع، ألا نرى أن الطفل الصغير لو نهي بالمنع زاد تطلعه إلى الممنوع؟ لقد توجست منذ الوهلة الأولى التي سمعت فيها قرارا كهذا من ازدياد حنق البعض، وتشنج النفوس والعواطف المستشعرة للاستهداف.   ولقد ظهرت بوادر ذلك قبل الجمعة بالمنشورات الكثيرة المحرضة على غزو العاصمة ردا على تضييق الحريات، ومنه تلك الصور المنشورة بعد الحراك، الصحيح منها والسقيم لإثبات الذات بأعداد مصورة بشكل صحيح ومفبرك لإثبات عكس المنتظر.      إنني أرى أن الرد على المشاغبين لا يكون بمنع الحريات ومنها التنقل، لأنه مكفول شرعا وقانونا.   أظن أن يتم منح حرية التنقل على مصاريعها، مع التفطن لكل مكيدة ضد الشعب والممتلكات الخاصة والعمومية والهيئات الرسمية والخصوصية، وتسلل الأجانب والمجرمين إلى صفوف المتظاهرين.   الحمد لله أن الله رزق الجيش الشعبي الوطني من الطاقات المادية والبشرية الحديثة المحترفة ما يستطيع به السيطرة على مختلف المحافل، والتجسس على كل ضار، وإلقاء القبض على أي عنصر خطير على الأمن القومي، وذلك بفضل الله ثم بفضل تحويل جهاز المخابرات إلى هيئة  الجيش ووزارة الدفاع.  والحمد لله لقد سمعنا عن كثير من الحالات تم كشفها دون منع أي شخص من العاصمة أوأي مكان في الوطن.   أنصح بكل أخوة صادقة إخواني الرجال الأشاوس الذين نهضوا لتطهير البلاد من الخونة والعملاء أن ينظروا إلى القرارات بحكمة كبيرة جدا، حتى لا يحدث لنا مثل من قطع أصبعه في آخر سنبلة حصاد، ولو بتنصيب الحواجز الأمنية التي تمنع دخول العناصر الخطيرة فقط الحاملة لوسائل مهددة للأشخاص والممتلكات والبلاد.       أما حرمان الناس من حرياتهم في التنقل فهو أمر مستفز قد ينتج ضغطا تكون نتائجه عكس المنتظر من القرار.  إن الحرية هي الممحص الحقيقي، وهي ما يترك الأمور تسير بشكل عادي، قد تزيد قيادة الجيش مدحا لدى فئات كبيرة من الشعب يزيدها شعبية ووزنا في معايير النقاد، باعتبارها خادمة له حامية لفئاته، وتهمش الباقي من العملاء ليظهروا على حقيقتهم، ويرميهم المواطن في مزابل التاريخ.  لقد لا حظت في الجمعات السابقة أعدادا عادية جدا، بل ربما بدأ الملل يدب إلى نفوس الحراكيين وحتى سكان العاصمة، لكن بمجرد الوخز بإبرة التضييق انتفض المعادون لقيادة الجيش بالأخص وتبعهم المغفلون بازدياد الأعداد، خاصة على مستوى الصور والفيديوهات.        وقديما حضرت للشيخ الغنوشي كلمة تاريخية حكيمة قال فيها عن المناوئين للحل الإسلامي: اقتلوهم بالحرية.      الدرس الذي يجب حفظه أن الحرية مقدسة، مميزة بين الخير والشر، الحق والباطل، الصواب والخطأ، مستنفرة للعقول كي تحلل وتنتبه وتلاحظ وتصطف مع الخير بعد ذلك، ولا نخشى عليها من الاستغفال ولو لوقت قصير.    هذه نصيحتي لإخواني الرجال الأشراف الأشاوس المطهرين للبلاد من العملاء والخونة، كي لا نهدم ما بنيناه. 

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم