رأيي في الاعتقالات الأخيرة.

تلقينا في علم الجرح والتعديل أن ناقل النصوص والحديث النبوي بالخصوص متهم حتى تثبت عدالته، لأن النصوص منابع التشريع وأدلته وحججه، لذلك لا يقبل النص من المجهول.أما في الفقه والفتاوى فالإنسان بريء حتى تثبت عليه التهمة، لأنها أحكام على الفرد، لا على النص.والخلاصة أن الأداء متعلق بالحكم على النص، أما الفقه فهو متعلق بالحكم على الفرد.ولذلك فرأيي في اعتقال الأشخاص واضح وهو التماس البراءة حتى تثبت عليهم التهم بالأدلة.نابعا من قاعدة درء الحدود بالشبهات، لأن المشتبه به في الشريعة لا يحق اعتقاله بالرغم من خضوعه للرقابة القضائية.
ومع تطور المشهد السياسي والقانوني في طريق الحل الوطني المنشود، شهدنا جملة اعتقالات لشخصيات معروفة على المستوى الوطني بنضالاتها كل حسب رؤيته الموافقة أوالمخالفة.ومع علمنا أوجهلنا بالأسباب، فإن مبدئي دائما هو رفض الاعتقال لمجرد الرأي، وهو ما يطلق عليه البعض بــ السياسي، اللهم إلا إذا كان لأسباب جنائية وقانونية ودستورية.لقد تعلمت من الإسلام حمايته للرأي المؤدب المراعي لحرية المخالف، البعيد عن الفعل المضاد الجاني على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.لقد كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يتجاوز عن الرأي الحر ولا يضيّق عليه بل يكفله ويضمنه لصاحبه، وكم من مشرك حاوره في ربه وعقيدته دون فعل إجرامي، فتفاعل معهم وأجاب الكثير منهم، ليس هذا المقال مقام سرد التفاصيل.أتذكر أنني وضحت رأيي حول اعتقال المجاهد لخضر بورقعة إن كان لأسباب سياسية واعتبرته استعجالا لو برىء من الاتهام الواقعي، وافقني في رأيي هذا أحد الكتاب والمدونين المعروفين على الساحة.لذلك أدعو إلى البحث والتنقيب والتثبت من الأسباب، التي إن ظهر أنها سياسية ضد حرية الرأي والتعبير، فإننا ملزمون بمناصرة كل صاحب رأي حر ولو كان سياسيا، أبداه في حدود الفكر،، في حدود (هذا رأيي) (والله أعلم) (في نظري) (في تقديري) (إن لم أكن خاطئا) وكل العبارات الدالة على سلمية النضال.لأنه يجب العلم أن التدبير والتخطيط والتخابر والاجتماعات مع الأجنبي وتشكيل الميليشيات، وإخفاء الأسلحة، والدعوة إلى التدخل الدولي، والتحضيرات السرية لأعمال تخريب، وإحداث فوضى يوم الانتخاب عوض معارضته بسلمية، والتصفيات الجسدية، وإدخال الأجانب إلى شوارع المسيرات، وإثارة فتن مناطق كغرداية، وغيرها من التهم القانونية البحتة كانت مرفوضة وتبقى مرفوضة، لأنها محل اتهام ومبرر اعتقال، خاصة في ظروف كهذه.لقد عارضت مثل هذه الاعتقالات مع الانقلاب على إرادة الشعب سنة 1991، لكن كنت منصفا، حيث عارضت الاعتقال بسبب الرأي والانتساب الحزبي، لا الاعتقال القانوني، وكل الجزائريين كانوا مع هذا الطرح، وكل عائلات المعتقلين وقتها كانت تريد على الأقل معرفة أسباب المداهمات الغامضة، ودواعي الأحكام خارج القضاء، والكثير من النشطاء والعقلاء والحكماء ناشدوا السلطة الفعلية آنئذ بتمحيص الأسباب كي تبقى حرية الرأي مكفولة.وكم كان الأكابر يحذروننا من الرأي الحر ضد سلطة التسعينات، وكم عانينا من التضييق على حرية التنقل، وإن كنت أصدر رأيي من قيمي الإسلامية لا من عبرتي واتعاظي مما حدث فقط.لذلك لا أرى مبررا للتشفي في المعتقلين من قبل مخالفيهم، إذا تحقق مبرر السياسة والرأي وانعدمت الأدلة القانونية المرجحة للفعل الجنائي وفق القانون والدستور.ولا أرى مبررا للتعصب والمناصرة لهم من قبل موافقيهم بإطلاق إذا وجدت الأدلة القانونية والملفات الجنائية والتهم الحقيقية، وانعدم السبب السياسي ضد حرية الرأي والتعبير، كالعلم على سبيل المثال أنه حدث بعد استدعاءين مرت عليهما الآجال القانونية، وغيرها من الحالات.فكم من اعتقال ظهر أنه سياسي رغم الإلحاح على الجانب القانوني الجنائي،، وكم من اعتقال ظهر أنه قانوني جنائي رغم الإلحاح على أنه سياسي ضد حرية الرأي والتعبير والنضال السلمي.لذلك ننتظر من العدالة التصريح الشفاف بالتهم الموجهة لكل معتقل، كي يتوجه الموقف بإحكام.ونطالب بكل أخوة ورغبة في تصفية الحلول للبلاد، بنشرات إعلامية واضحة تريح المناصر والمخالف، تبين لنا الدواعي الحقيقية للاعتقالات، سواء كانت سياسية ضد الرأي وحرية التعبير الخالية من الفعل الإجرامي.أوقانونية لها صلة تامة بالفعل الإجرامي أوالجنائي يجبر الفرد على تلك العاقبة.الشارع الجزائري في حاجة ماسة إلى معرفة مسارات الأحداث ولو بالكليات العامة نظرا لأن التفاصيل قد تفسد ما لا نعلم.أتمنى صادقا أن يرتاح الجزائريون بمعرفة كل شيء، وأن تصفي السلطة القضائية كل الملفات بكل شفافية ووضوح، كي نذهب إلى الصناديق بمعنويات المنتخب على رئيس نقصد به إعادة تأهيل المؤسسة والوطن، لا تأهيل شخص الرئيس.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم