المظلومية في فكر الأقليات الفاتنة.

من إفرازات الهزات الاجتماعية تمحيص الناس، وظهور تباين قد يكون بين غالبية وأقلية، موافقة للحق والصواب، أومخالفة لهما، وإذا حدث أن تمكنت الأغلبية عارية عن الأخلاق الاجتماعية، فإنها تقهر الأقلية، وقد يحدث أن تتمكن الأقلية ولو مع الباطل والخطأ فتضطهد الأغلبية بنار السلاح وقوة المال.وهنا تحل فكرة المظلومية عند أهل الحق والقانون والشرعية حالة استبداد أهل الباطل والمجون، والعكس، وإن كان المحقون في كثير من الأحيان يقرون لغيرهم، ومثال ذلك المسلمون في بلاد غيرهم إذ يكتفون بوضعهم مع محاولات تبليغ أفكارهم، إلا أن الإشكال يقع مع الأقلية المجانبة للصواب المجابهة لغيرها لفرض أفكارها وسلوكاتها وعقائدها والتمكين لها بأي أسلوب ووسيلة صراعا مع طبيعة الواقع.
ولقد كشف لنا التاريخ عن كثير من الحالات بين طيات زمانه.
ولا غرو إذا ذكرنا بعضها كأقلية المنافقين في المدينة بعد الهجرة النبوية، الذين اعتبروا غالبية الناس غادرين بهم منساقين وراء رسالة الإسلام بعدما كان رأسهم يحضر نفسه للتملك عليها، فأرادت إظهار جمعها بصفة المظلوم.
وفرقة الشيعة التي نشأت على أساس سياسي كأقلية فاتنة، وأقلية الأكراد، والأقليات الإيديولوجية في كثير من بلدان العالم المتخلف، الذي تخالف فيه أعراف ومعتقدات الأغلبية المسلمة، وإلا فرداء المظلومية جاهز.
والأقلية الإيديولوجية في الجزائر التي ظهر منها الكثير من السلوكات بعد ثورة التحرير مباشرة ثم بعد انتخابات التسعين، ثم بعد حراك 22 فبراير2019.
ومع ذلك تتمسك بشماعة المظلومية لتمرير أفكارها بالإيهام عبر كل الوسائل والأساليب.
فهذا رأس المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول يرفع شعارها معبرا عن استنكاره من أهل المدينة إيواء المهاجرين، ولما سنحت له أول فرصة قاح منه أبشع سلوك تجاههم،، معلنا عزمه على إخراجهم منها بعد العودة من غزوة بني المصطلق،، والشيعة الذين توددوا كذلك عبر العصور لكسب تعاطف المسلمين الظانين بهم خيرا،، وحين يساق لهم التغلب يسِمُون مخالفيهم أشد التنكيل في لبنان وسوريا وإيران والعراق بالخصوص، وعملاء الاستعمار في بلادنا يستهدفون كسب ود الناس بمظلومية الإقصاء وهم أول من يمارسه عند التمكن، وقد فعلوا ذلك بتوقيف المسار الانتخابي والاعتداء على أصوات الشعب واستعمال الجيش التسعيني كقوة مسندة، لتصفية فئوية ممنهجة، وقد مارس هذا الجرم قبلهم عملاء فرنسا أيام الثورة التحريرية بالارتكاز على القوة الاستعمارية.
إن الأقليات الفاتنة في أي مكان تتمسكن كي تتمكن كما يقال، فإذا صار لها أسكتت غيرها، وقهرتهم، وغابت المظلومية، تدير ظهرها لقول الله تعالى: كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ سورة النساء.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من منع الحقوق لكنها سرعان ما تتناسى المظلومية لو تمكنت منها أومنحت لها.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من عدم احترامها، لكنها ما تلبث أن تهين غيرها بمجرد التمكن.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من التهميش في الشراكة، لكن سرعان ما تسطو عليها بمجرد التمكن.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من استبداد الحكم، لكنها تتفنن فيه بمجرد التمكن.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من عدم التعايش لكنها تهمش غيرها بمجرد التمكن.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من الانتخابات لأن الشعوب تقزمها لكنها تزورها لصالحها بمجرد التمكن من ماكنته.
إن الأقليات الفاتنة ترمي بدائها غيرها وتنسل.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من تهمة الاستعباد لكنها تذل غيرها بمجرد التمكن.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من التضييق على الحريات لكنها أول من يضيق عليها بمجرد التمكن.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من استبعاد الشفافية والنزاهة لكنها تحاربها بمجرد لمح مواعيدها بالبصر.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من تهمة الانحراف لكنها تحارب القيم النبيلة بمجرد التمكن.
إن الأقليات الفاتنة تتظلم من التهم لكنها تنزه الفاسد وتشوه الصالح وتدعو الأمم إلى إنقاذها من خطر من يزكيهم الشعب.
إن تم لها ذلك وإلا فتتدثر برداء المظلومية لاستعطاف ما أمكن من الأغبياء والمغفلين.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم