الحراك الشعبي والحراك الحزبي

اهتم الشعب الجزائري منذ تطور التعديلات الدستورية ببعض المسائل ذات القيمة السياسية، ومنها رئاسة الجمهورية التي كانت مرافقة لعمر الرئيس، فأصبحت في مختلف الدساتير المعدلة ذات عهدات مقيدة أومفتوحة، بمنح حرية الترشح لكل مؤهل، ولو بالتزوير لصالح مرشح السلطة، وزالت فكرة الأبدية التي انتهجها بومدين والشاذلي، إلا أن الانتفاضة الشعبية ضد العهدة الخامسة لم تنتبه إلى ضرورة إحالة حراكها على المؤسسات الدستورية الصغيرة، ومنها الأحزاب التي يمكن تصنيف تقاليدها إلى أصناف: 

1/ الصنف الأول: أحزاب التقاليد القديمة القائمة على تداول منصب الأمين العام وعلى رأسها حزب القوى الاشتراكية، مع بقاء المنصب الشرفي للزعيم الروحي المؤسس، جعل المناضلين مرتبطين بالحزب ومؤسساته لا بالشخص وزعامته، رغم انحساره في منطقة معينة، لكن المنخرطين يناضلون له، وينتخبون عليه، بما يثبت له الرقم الانتخابي في كل استحقاق. 
2/ الصنف الثاني: أحزاب التقاليد القديمة لكن التداول فيها يتم بالمؤامرات على منصب الأمين العام، كلما انتهى دوره المنوط له، وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني الذي مر عليه منذ مدة بعيدة أكثر من أمين عام، جعل المناضلين يلتفون حول مؤسسات الحزب، والأصوات الممنوحة له في كتلة انتخابية ثابتة كذلك. 
3/ الصنف الثالث: أحزاب التقاليد الزعاماتية، التي تعقد مؤتمراتها الصورية لتعاد تزكية الشخص نفسه بالكواليس المعروفة، لاعتباره المؤسس أوالأقدم أوالأكبر، بلمسات جبروتية ـ في رأيي ـ، ومن هؤلاء على سبيل المثال رئيس جال من حركة النهضة إلى حركة الإصلاح الوطني إلى جبهة العدالة والتنمية حفاظا على المنصب، وحزب العمال، وبشكل أقل التجمع الوطني الديمقراطي، يشترط بعضهم الزعامة في مفاوضات التنسيق بيني.   
4/ الصنف الرابع: أحزاب فرضت تطورا سلسا في نظام التداول، يمنح لكل شخصية بارزة الترشح في المؤتمرات العادية والاستثنائية، ويقع الصراع على البرامج ويُفَعَّلُ فيها التصويتُ الحرُّ غالبا، ولو بخضوع بعض المندوبين لعملية الكولسة لمرشح أوآخر، ومن هؤلاء على سبيل المثال، حركة مجتمع السلم، وحركة الإصلاح الوطني. 
5/ الصنف الخامس: أحزاب تمخض عنها تطور عسير نحو التداول على المنصب، بقيت متشبثة بعادات الصنف الثالث مدة، ثم فرض عليها لأول مرة ذلك، ومن هؤلاء على سبيل المثال حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي كان هو الآخر لعهد قريب يكرر عملية التزكية بشكل غير ديمقراطي عكس ما يدعي في أدبياته ووثائقه، وحركة النهضة التي فرض مناضلوها العمل المؤسساتي سنة 1998م، في مؤتمر حاسم.
والخلاصة أن كل الأحزاب الخاضعة لسلطة الشخص تنهار مع أول انشقاق، لأنه فوق الجميع، وغيره تلاميذ، وهو الاستبداد الذي يندد به هو نفسه تناقضا مع الأدبيات المعلنة، منها معارضته رؤساء الجمهورية والمؤسسات إعادة ترشحهم لكل استحقاق، يسير مع متظاهري الجمعة متناسيا وضعه المماثل لصاحب العهدة الخامسة، يعيش المناصلون انفصاما في الشخصية الجماعية بين نظرياتها وواقعها،
كما أن سر التشبث بالمنصب ولو مدى الحياة هو الحفاظ على الامتيازات الممنوحة، الحرس الأمني، جوازات السفر الديبلوماسية، التبجيل في المناسبات، الصلة بالسلطة الحاكمة، العلاقات المختلفة مع الهيئات الداخلية والخارجية، الشهرة الشخصية التي يحرص عليها برفض بوادر التغيير، الشعبوية في الحملات الانتخابية التي تمنحه الصبغة الوطنية ولو على حساب أداء الحزب.
ومنها الاستئثار بالأموال الموهوبة أوالمستحقة بأي طريقة، باعتبارها في اعتقاده ممنوحة له لا للمؤسسة، مما يبقي قيمة الحزب مرتبطة بالشخص تزول بزواله، فاقدة حرية القرار السياسي. 
مصادر المعلومة  للمناضلين واردة منه فقط، لا يرون الحزب وحجمه من الخارج، بحيث يصبح نقد أدبياته خيانة.   
أما الأحزاب المبنية على العمل المؤسساتي فرؤساؤها مقيدون بتقاليد القانون الأساسي والنظام الداخلي، يديرون الحملات الانتخابية لصالحها لا لأشخاصهم، لعدم احتكار المناصب، تحكمهم ثقافة القانون على كل فرد من الأعلى إلى الأسفل، ولو مع شيء من الامتيازات السابقة لكنها مؤقتة. 
إن التطور السياسي يحصل بالحرص على مصالح البلد لا مصالح الأحزاب، وممارسة المعارضة للنصح لا لإبراز أفكارها دون تنازل عنها لمنافسين سياسيين، والافتخار بها في المحافل.
لذلك أرى الواجب على كل المناضلين السياسيين تحريك انتفاضات لتصحيح مسارات أحزابهم، ليكون لنا حراك حزبي بعد حراك شعبي، إذ لا يقبل من زعيم ينكر على الرئيس البقاء في السلطة، وهو جاثم على هرم حزبه. 

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم