أثر الاجتهاد للغير على صاحبه

أحكام التشريع تستنبط من أدلتها وحيا،، وأصولا أخرى تعتمد على قواعده ومقاصده لإضفاء صبغة القداسة عليها حتى يحترم تنفيذها والتزامها، وخاصة ما تعلق بنصوص الوحيين، تطبيقا لقطعي الدلالة، واجتهادا في فهم ظنيها. 
ولا مبتغى لصاحبه إلا إنارة الدروب كي يتضح السير الحسن في الحياة الفردية والجماعية. 
ولذلك تراه فقيها أوأصوليا أومحدثا أولغويا أومفسرا أوحتى سياسيا يجتهد في فهم النصوص أوالاستنباط بواسطة مختلف الأصول الأخرى، أوبالنظر إلى المقاصد والقواعد الفقهية والأصولية، لإسقاطها على الواقع بظن صحيح حسب ما أداه إليه تقليبها وبلورتها.
ونتيجة لمرونة الأحكام الاجتهادية قد تخالف رؤية زمن زمنا آخر، وقد يتولى عن حكم بان له صواب غيره بملامح الأدلة والأمارات، وأعراف الأعراق، وعادات الأقوام، وظروفهم الجالبة للعزم أوالتيسير،، وهو ما يصطلح عليه بمقتضيات الأحوال. 
لكن العمل لا يقف عند هذا الحد وإنما كما نرى له تأثيرا للمنتفع، فإنه يتعدى إلى النافع، وهو العالم الفقيه المستنبط في العادة، قد يرفع له قدرا، في المستخرجات البسيطة على الأفهام غالبا،، أما نوابغ المسائل التي تفوقها، أومما يجهل نفعه من فساده إلا بالزمن، فهو الذي له تأثير سلبي يعرضه للنقد والتجريح من ناقصي أوعديمي الكفاءات العلمية والفكرية ومتهوري المواقف.
اقترحت على بعض إخواني ألا ينبغي لرجل العلم الفقيه أن يلج مجال التحزب وتأييد طرف معين كي يبقى مستوعبا للجميع، وضربنا مثلا لذلك بعض أهل العلم أصحاب المواقف في التسعينات وأدركنا أن الرجال بان لهم الظن حينها في تأييد طرف قد يظهر لهم الآن صوابه أوخطأه، إلا أن مقاصد مواقفهم رأوها لصالح البلاد والعباد، تجلت لهم وفق مقتضى الحال في الماضي، قد يدركون بالظن أنه في الحاضر غير ذلك، فلا ينبغي للمؤاخذات أن توجه سهامها بمعزل عن النظر إلى ما اقتضاه الحال في حينه.
فجال في نظري اجتهادات العلماء عبر العصور وهي تعبر عباب الظلام لتنير للناس مساراتهم نحو الصواب بغلبة الظن، والذين كانوا ينتفعون بها ويتركون مسعفيهم من الفقهاء والمجتهدين يصارعون التجريح من محترفي التأنيب ومحتكري الطعن،، ما يعني أن ذلك كان وبالا عليهم،، سرورا للمستفيدين منهم. 
فالإمام أبوحنيفة رحمه الله تعرض لمحنة كبيرة نتيجة الوشاية به رغم اعتصار نفسه لصالح الناس. 
والإمام مالك رحمه الله الذي امتحن في تعليم العلم، والإرشاد به، خاصة وقت النوازل، والصبر على المكاره، واحتمال المشاق والصعاب من أجل إظهار العلم وعدم كتمانه في ظل تهديدات السلطة الحاكمة، وطلبها الدائم بكتمان هذا العلم الذي قد يمثل إحراجًا وضغطًا عليها، كما أن للحسد والحقد دورا بارزا في أحداث المحنة التي تعرض لها. 
والإمام أحمد رحمه الله الذي تعرض لفتنة القول بخلق القرآن بالصبر على قول الحق كلام الله غير مخلوق.
أضرب لذلك مثلا من قول الإمام ابن باديس: «ولأننا مستعمرة من مستعمرات الجمهورية الفرنسية نسعى لربط أواصل المودة بيننا وبين الأمة الفرنسية وتحسين العلائق بين الأمتين المرتبطتين بروابط المصلحة المشتركة والمنافع المتبادلة من الجانبين ، تلك الروابط التي ظهرت دلائلها وثمراتها في غير ما موطن من مواطن الحرب والسلم » 
المصلح العلامة كان له مقصد بهذا القول لو تناوله جهلة الغايات والمرامي لصوبوا نحوه رصاص القتل، وهو الضغط على المحتل كي يعامل الجزائريين كمواطنين لا كمحتلين مادامت الغلبة له حينها إلى أن يتحقق الاستقلال عنه. 
أما في عصورنا هذه فكثير، منهم الشيخ عبداللطيف سلطاني رحمه الله في مسجد النور بالمدية إذ ذكر فرار العامة من العالم إذا أوذي رغم عمله واجتهاده لهم وقول الحق لأجلهم، وقد تعرض هو بالذات لذلك رفقة أخيه الشيخ سحنون رحمهما الله. 
وكم انقلبت اجتهادات كثير من علماء عصرنا عليهم بمختلف المكاره من الحكام والناس اللئام، لا يسع مقامنا لذكرهم كلهم،، لمجرد فهم أواستنباط لرفع الغبن إلزاما أوتيسيرا أوتوضيحا لم تصل إليه أذهان الجاهلين بمراقي العلوم،، مما يفهمونه أولا يفهمونه لأن واجب الوقت لا يفقهه إلا أهل العلم. 
وقل مثله عن السياسي، والعامل الجاد في مجاله، وحتى الكاتب الذي قد يمده الوعي بأفكار لم يكن وعيها وقت تحرير النص،، دون التضييق على حرية الحوار في المسائل بشكل منفتح قصد التوجيه السليم دون إهانة أوتعيير، عكس ما يحدث من بعض عوام حراكنا الذين ينساقون وراء نواعق العملاء لأن مجموعة أشراف أرادوا تطهير البلد من الفساد،، كي لا يصبح موجهو الأمة عالة عليها كلما أرادوا لها سؤددا. 
فلا يعتقدن أحد أن اجتهاد العالم ولو تأكد صوابه سيمر دون محن عليه ولو من محيطه.
ولذلك ينبغي التبصر بمقتضيات الأحوال لفهم الأمارات التي لاحت للعالم الفقيه، والقواعد التي بنى عليها أحكامه في ظنه، والمقاصد المراعى تحقيقها بها. 
فلا يتجرأن الدهماء على المجتهدين؟
تنبيه: أشكر أستاذنا بشير ولدبابا علي على المساعدة بالقراءة والتنقيح.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم