الظاهرة الاجتماعية والفعل المرافق.


بدون تشخيص ضيق أظن أن العالم انبهر بظاهرة تنظيم كأس العالم في دولة قطر، لاستقطابها انتباهات الفئات الكونية، بوجهات نظر خاصة، وزخم إعلامي، من العدو والصديق.
فاستفزاز نخب الشعوب بالتحليل وردود أفعال فكرية وسلوكية، والبحث عن الحقائق، جعلها كالقاضي المستمع للخصمين، لتبتغي الأحكام العقلية ميزان العدل.
تماما كالرسومات المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم التي رافقتها استنكارات، ونقاشات انقلبت على مراد صاحبها باستفزازه السيء.
إن تنظيم هذه الدورة لم يكن مؤثرا لو لم ترافقه أفعال خارجه، حسنة أم قبيحة، توظيفا أوطفرة.
إن الفعل المرافق للظاهرة ليس وليدها، لكنه اعتبر امتدادا قويا لهوامش تفاعلية قديمة، بأشكال متطورة التأثير.
تسلل الوعي الإنساني إلى نخب كثيرة من خلال التحليل التلفزي، والميداني، لما هو خارج الإطار الرياضي كسلوك الألمان، عَجَّ بالتعاطف مع الإنسانية إلى حد السرور ودون تحفظ لإقصائهم المبكر.
كرَّس الفعلَ المرافقَ محاولاتُ السطو على تقاليد المضيف وعاداته وأعرافه الاجتماعية والقانونية، قادت إلى وعي متجدد باحترام الآخر، وفهم معاني تقدير الخصوصيات.
لم تكن قبلُ مثل هذه الأفعال مرافقةً بالزخم الحالي، حتى إنه ليخيل إليَّ أنها المحتضن للدورة وليس العكس.
ومن المرافقات الوعي الواسع لدى طبقات شعبية مسلمة، وعربية بالخصوص، التي استكانت واستسلمت لمن عَيَّرهَا بالبعير، والصحراء، والبلادة، والتخلف، والعباءة، والكوفية، وعقالها، بأنها ألقاب قذف، وكنيات إفك، داست على أذهانها لتقنع بفرية التسول وأنه لا يشبعها إلا فتات رغيب غربي، فوتت عليها قرونا، سلمت فيها القياد لغيرها.
ومنها الوعي الشعبي والنخبي الإسلامي بالقدرة على النهضة، وتحرير الذات من الاحتلال الذهني، والجمود العقلي.
ومنها تغيير اتجاه الانبهار، ومصدره، بعد أن كان (غربي عربي)، و(علماني إسلامي)، أصبحت (إسلامي علماني)، دل عليه انتقادات تبريد الملاعب وآثاره، وادعاءات خطره على صحة اللاعبين، بانبهار خفي يعيش صاحبه اللحظات الأخيرة قبل رفع راية الاستسلام، أوكصياح الديك المذبوح، محاولا إظهار حياة السيطرة والتأثير، وهمًا لا حقيقةً، وهو يزهق روحها.
ومنها إكرام المناصرين، واحتضانهم ودعوتهم إلى الإسلام، وقد أسلم الكثير منهم، عبر عن استعادة المسلم عموما، والعربي خصوصا روح المبادرة بعد التقاعس المنوم الطويل، والإيجابية بعد السلبية، والقدرة بعد الضعف، والشجاعة بعد الخوفٍ، والأصالة بعد التقليد.
ذكرنا بمرافقات الحج قبل الإسلام بالسدانة والسقاية والرفادة، وبيعتي العقبة، وبعد انتشاره بلقاءات النخب العلمية، وتعارف العوام.
وتظاهرات المعارض الثقافية والكتبية، ترافقها الندوات، والمحاضرات، واللقاءات الإعلامية مع مختلف الشخصيات الفاعلة.
وباستثناء الحج لم نرَ لكل ما سبق وأمثاله مرافقات متعدية إلا نادرا.
ومنها تقديم الحصص الإعلامية حول مسألة الشذوذ، بعدما كانت تقتصر على مجرد تحليل المباريات والنتائج، ولعله تحصيل الاستفزاز الغربي.
إن مرافقة اللغة العربية للحدث، وإجبار الآخر على سماعها، وترجمتها، بعدما كان العربي مجبرا على سماع غيرها في استيلاب فكري، وانهزام معنوي، وديبلوماسية خانعة، قلبت الموازين، وستكون لها آثارها المستقبلية.
إن ذكر لفظتين بالإنجليزي في كلمة الافتتاح نتاج نفسي مدلوله الأصل للغتي، وللغتك الفتات، إن لم يكن السلوك إيهاما.
لا أحد من المسلمين يتمنى رؤية هذه النسخة مجردَ فقاعات جلبت الاهتمام التلاعبي ليستيقظ الرائي على بصيص أمل غافل توهَّجَ ثم انطفأ، لتشتد ظلمة الخيبة، ويموت المريض المنتكس بعد أعراض الشفاء.
أعتبر الحدث القطري تمرينا بسيطا مؤقتا ناجحا، لا نموذجا عاما دائما، لأن مساحات إسلامية وشعبية أخرى قادرة على إنجاز الأكثر، إن خلصت النيات، واجتمعت الخبرات، لإتمام السير من هذه الانطلاقة الناجحة، وأول من يجب عليه التكفل بذلك هم حكام المسلمين وسلطاتهم.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم