الإنسانية والمفاهيم الازدواجية الغربية.


عندما نتحدث أونكتب عن الإنسان الغربي في مفاهيمه، فإنما نقصد المفكر والقيادي الموجِّه، لا العامي، أوالمحسوب على الثقافة يقلد غيره، ويمسك بما يخلط بين الصحيح والسقيم.
لم أعلم غبيا، ولا منحازا مصابا بعقدة الكمال متجاهلا غيرَه، ملغيا تفكيرَه، رافضا وجودَه، كالإنسان الغربي، وأتباعه.
بالمدنية التي بلغها تعقَّدَتْ نفسيته المتعالية تجاه الغير، باعتباره في رأس الهرم وغيره في قواعده السفلى، لأن ذهنية الإنسان متأثرة بالبيئة استقامة وانحرافا، إن لم تقومه منظومة دينية متكاملة.
توارثت فردياته الازدواجية الفكرية تجاه الإنسانية، التي جعلتها صنفين، أعلى وأدنى، رغم الثقافات وتقارب القارات، معدِّيًا هذه النظرة بالإنتاج السنمائي والسلوك الميداني، لرسم صورة سوداء على غيره عمومًا.
إنه يعاني من ازدواجية لمفهوم الحوار الإنساني ودائرته وجدواه، فهو يدور كالرحى يحاور نفسه، أما مع غيره فصلته به الشكلُ والإملاءُ فقط، وليس تبادل المنافع الفكرية.
تتغذى الازدواجية الغربية، على توصيف اللغة العربية والإسلام بالتخلف للاستقطاب نحو لغتها ومعتقداتها. رغم ادعائها الاحتضان اللغوي والديني.
إن الصراع المادي وغياب الباطنية الروحية شكَّلَ عند الغربي ازدواجية الوجود الإنساني واعتباره، شجعه عليه دونية الآخر، وانبهاره به، والعجز عن انتقاده فكرًا وسلطةً.

فالاستحواذ على ثروات المستضعفين والاستقواء بها كرَّس له النظرة الاحتقارية وقاية من النهوض والمقاومة والطرد، وهذا الذي بنى عليه فلسفة الحياة الغربية والشعورية تجاهه.
إن احتكاكات المؤتمرات والتظاهرات العلمية والثقافية والرياضية والسياسية والسياحية والاقتصادية والحروب تكشف تناقض المفهوم الغربي للإنسانية، وتأثيره على القابع في الدونية.
الإنسانية عنده الخضوع والموافقة، أما المخالفة فحيوانية جزاؤها الإهانة والتعذيب والتقتيل.
تمثل عنده الحرص على تعليم الإنسان الغربي، وتجهيل غيره، كما جَهَّلَ معظمَ الشعب الجزائري المحتل، إلا من تحدَّى كيده بعصامية أومشيخة.
وهي عنده التمتع التام بكل الحريات، أما لغيره فالتضييق والتآمر عليها مع الأنظمة الوظيفية.
إن الإنسانية الغربية تعتني بالحرص على ضبط الفاحشة والمثلية والشذوذ بالقانون، لكن عندما تتعلق بالعالم الآخر فتشجع بشكل مغرق، حرصا على تيسير استدراج الإنسان الآخر وتوهين قوته النفسية والمعنوية والبدنية، ثم استنزافه ولو بدون احتلاله.
والتسامح الإنساني موجه منه وإليه، أما منه لغيره فمجرد استهلاك إعلامي سياسي فقط، بدليل الروح الانتقامية الوحشية الجادة عند الخطأ معه، أما العكس فتُجَنَّدُ الوسائل للإقناع بضرورة التسامح لأجل وحدة الإنسانية.
مع أن الاسلام أكبر مقدر للإنسانية، وحضا ومنظرا لتسامحها، واعترافا بالأديان التي تخالفه، ويطلق على أهلها (أهل الكتاب)، إلا أن المجتمع الغربي يشهد أسوأ أنواع التباغض الإنساني.
يتخذ الغرب الإنسانية شماعة يبرر بها رفض الآخر، فيرفض طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وقرار قطر بمنع الخمور والشذوذ والمثلية بمبرر حقوق الإنسان.
ازدواجيته المنافقة تُسَوِّقُ لغيره الوجه الظاهر المعتدل بمحاولاته اليائسة لأنه منحاز تام.
إنه حين يعترف بالطبيعة العادية للإنسان الآخر، ونظامه وعقائده، وتشريعاته، ومسيرة حياته، يشعر بظلمه القديم، وضرورة العلاج الفكري المعنوي ليصوغ به الحياة الجديدة، قد يسهل له العودة إلى أحكام عادلة عن الإنسانية، إذا أحسن التحسس، أويعسر، لأن إعادة التشكيل العلائقي والفكري من جديد ليس هينًا.
أتمنى أن يكون نشر المفاهيم الحقيقية للإنسانية في مستهل كأس العالم بقطر، رغم نسخ بعضها من غير الإسلام، وإذعان الغرب حكومات ومفكرين للسيادة القَطَرِيَّةِ، شرارةَ التصحيح.
نأمل أن تَخِزَ الأيامُ الضميرَ الغربيَّ لينفض غبار الاستعلاء، قبل يقظة غيره، ليتجنب مواجهته الطاردة، ويساهم في تعميم المفهوم الحقيقي للإنسانية وتفعيله.
وأن يصدمَ واقعُ الغفلة الغربية الواهمة الشاعرين بالدونية ليتوقفوا عن الانبهار، فيأخذوا النافع ويتركوا الضار.


الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

إرسال تعليق

أحدث أقدم