البرامج بين المفارقات والمشاركات


نشرت مقالا بعد الانقلاب على الرئيس المصري الشرعي الدكتور محمد مرسي رحمه الله، أنتقده في مجانبته قواعد الحكم في رأيي، بإشراكه رجالا من الدولة العميقة، وبوزارات سيادية، قوضت سلطته، وأردته سجينا فقتيلا.
إذ نرى في الدول المعتمدة على التعددية الحزبية، تفرد الفائز بآلياته وأفراده لا يشاركه غيره في الاستوزار، ولمنافسيه حق المراقبة والنقد للأداءات، والحكم يكون في المجالس المنتخبة ويوم الانتخاب القادم، لتعاد الثقة فيه أوتسحب منه.
إلا عندنا، حيث نجيد الانبهار بالتجارب الناجحة لغيرنا دون الاستفادة منها ولو بشيء بسيط في غالب الأحيان. لا أرى جدوى مما يسمى التوافق في الترشيح والسلطة، لأن التجربة أثبتت ضياع الأوقات في لقاءات صباحية مسائية نهارية ليلية بغية التوصل عبثا إلى بنود اتفاقات بين فرقاء في القواعد والأصول والفروع، ثم يتم الافتراق كل مرة على أمل اللقاء وإهدار الوقت فيما يفترض الانتفاع منه في غيرها. لقد تابعنا تلك اللقاءات بين أحزاب وهيئات وشخصيات فرقت بينها الإيديولوجيات والعقائد والبرامج والمناهج وحتى المنافع الفردية الظاهرة والخفية في مازفران وغيره، والنهاية افتراق بأوراق، وكان التراشق سيد الموقف مباشرة بعد الجلسة النهائية، ومسارعة شخصيات للترشح دون مشاورة الفرقاء الجلساء. لاأرى نفعا لما يسمى الحكومة التوافقية، فلن ينتج منها شيء لصالح البلاد ميدانيا، وما التشارك في مناصبها إلا إخلال ببرامج الفائز، لتدخل النرجسية الفردية وتداخل المنابع لدى كل وزير أثناء التنفيذ، وسيكون مآلها الفشل، لكن اللائمة ستسقط على رأس الرئيس، مثل المدير الذي يتحمل تبعة أخطاء غيره لأنه الخاتم الموقع. إن الذي حدث على سبيل المثال في عهد الخلافة الراشدة من إشراك الناس وخاصة علماء الصحابة في الاستشارة مرده إلى النسخة المتطابقة في العقيدة والمنهج والتشريع بمبادئه وقيمه المستمدة منها، كل يصب في معين واحد، أما أن تختلف المناهل والأوعية فتحيل العادة امتثالا متطابقا في الفكرة والتشريع والبرنامج. إنه من العبث وجود توسل سياسي وشخصي وفردي من قبل البعض للمشاركة في الحكومة المقبلة مع سبق مقاطعة الانتخاب، ومخالفة البرنامج من أصله، فهل يصح أن يتم تطييع القناعات بهذا الشكل؟ ودليل هذا على سبيل المثال الشروط المملاة من قبل بعضهم، ما يعني إعادة صياغة البرامج من جديد، وضرب نسبة المصوتين عرض الحائط. إن كان ولابد فللناخب لا للمقاطع، لأنه صاحب الصوت المقتنع وله التنفيذ الصادق. إنه من الغفلة السياسية انخراط الرئيس في ذلك دون مراعاة الأخطاء الذاتية والفردية، ستدفعه إلى المحاسبة دون غيره ليكون ضحية الهجوم النقدي اللاذع ثم فقدان ثقة لم يكن له في التنفيذ نصيب. نعم قد نقبل تنظيم حوار مع الغير تحت المظلة الرئاسية لأنها للجميع، ليعاد الوعد بالالتزام من جديد. قد يستشيط البعض غضبا واصفا هذا الكلام بنعوت ومصطلحات الإقصاء، لكنها مغالطة واضحة، لأن الإقصاء المرفوض هو الذي يصيب الحقوق والحريات والواجبات والمواطنة وغيرها من القيم الوطنية أثناء التنفيذ. والدليل هو الفشل الذريع لكل المشاريع المماثلة السابقة، ومن أراد فليلق نظرة على التحالفات الرئاسية في عهد بوتفليقة التي كانت تطبيقاتها الميدانية عبارة عن فوضى تحت غطاء برنامج فخامته، فقد كان كل وزير ينفذ رؤيته بتوقيع وختم الوزير الأول، تمخضت عن عصابة تحايلت على مصير الشعب في كثير من القطاعات، والتحالفات الحزبية التي لم تثبت في مختلف المجالس المنتخبة المحلية والوطنية، لعلة الحاجز النفسي، والتباعد القاعدي والمنهجي بالدرجة الأولى. لذلك أرى أن ندير ظهورنا لتلك الحيل المصلحية بالحجج الكثيرة، دون بذل أدنى عناء في صياغة المشترك فيه،، وكأني بالمشارك جاء ليجد الطبخة جاهزة على طبق، ولنعمل بقاعدة أنا الفائز، فأنا المنفذ، وأنت راقبني ثم حاسبني. لا تنطلي على رأيي أن ترفع الدنيا ولا توضع بحملات انتخابية للبرامج ثم تخضع لتقاسم التنفيذ، فلماذا يضني المترشح نفسه بكل هذه الجهود وعرض نفسه بديلا عن الجميع إذا كان سيشرك غير حزبه في التنفيذ؟ وحين أذكر هذا فلا أعني شخص الرئيس تبون بعينه، إنما أعني الشخصية الاعتبارية في الإدلاء برأيي. ولا نلغي مسألة الشورى والاستشارة، وحتى الاستفتاء، لأن من استشار الناس شاركهم عقولهم، لكن يبقى التنفيذ على السلطة الحاكمة الفائزة. ولكي يكون التنافس الانتخابي فعالا، إذ لا يمكن تفرق لذع الشعب على التحالفات. ولا يعني إلغاء مبدأ التعاون العام كالإرساليات والبعثات، فقد أرسل على سبيل المثال لا الحصر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وزير خارجية سلفه جيمس بيكر في مهمة خارجية. وإن نجح عكس كلامي في بعض الأحيان بسبب التطابق العقدي وطبيعة الحكم والسلطة، فإنه لن ينجح في حال الاختلاف. وغير هذا فإنه سيعيدنا إلى دائرة الصفر والعبث من جديد، وكأن شيئا لم يحدث، وإني على ذلك شهيد، ولا ينبئك مثل خبير.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم