الانتخابات فريضة شرعية وضرورة واقعية.

لقد أجلت هذا الموضوع إلى اليوم بحكم قربه الزمني من يوم الخميس 12/ديسمبر 2019م الموافق لـ 15 ربيع الثاني 1441هـ، لعل وقعه يكون ذا أثر وفائدة.
وعنونته بـ:
الفريضة الشرعية:
لأننا مسلمون نستقي في سلوكاتنا اليومية وقضايانا الكبرى من التشريع بنصوصه الثابتة دلالة، يتفق عليها المسلمون أوالظنية تختلف الأفهام في مسارها العلمي، أوبقواعده الاجتهادية الراجعة إلى النصوص.
لأن مكوث الأمة بدون حاكم ولو ليلة واحدة يعد من الموبقات المحرمات شرعا، إذ سارع الصحابة رضي الله عنهم بسبب هذا الفهم السليم لبناء الدولة في نظر الإسلام إلى اختيار الخليفة في يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتركوا أنفسهم دون حاكم.
كما يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين لقيام الدنيا، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم. رواه أبو داود.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامُ جَمَاعَةٍ فَإِنَّ مَوْتَتَهُ مَوْتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ.رواه الحاكم.
وهذا ما اتفقت عليه أقوال كثير من العلماء، منهم ابن تيمية، وابن القيم، والشهرستاني، والنسفي، وابن خلدون، والجويني، والأيجي، وأبو حامد الغزالي، والفخرالرازي، ومحمد عبده، وابن ادريس، وابن باديس، وغيرهم.
وإذا كان الحاكم في عصور يختار من بين الناس مبايعة لقلة العدد، مثل بيعة سقيفة بني ساعدة لأبي بكر رضي الله عنه، فإن الاختيار بعد توسع المسلمين وكثرة عددهم، لا يمكن إلا بأسلوب جديد يكرس الشورى وهو الانتخاب.
وإذا كان تحصيل الحكم واجبا فإن ما لا يتم الواجب إلا به (الانتخاب) فهو واجب.
والضرورة الواقعية:
لأن فترة الفراغ طالت، والهدف من الحراك المبارك كان تعطيل ترشيح الرئيس السابق، لنمر إلى انتخاب غيره، لكنه تأجل، ثم أجل مرة أخرى، وأراد بعض الناس التأجيل الثالث، لندخل في دوامة الفراغ لمدة إضافية لا يعلم مداها إلا الله تعالى.
ولأن دواليب الدولة تكاد تتوقف كلها خاصة ما تعلق بالتعامل الدولي بسبب انعدام استقرار سياسي شرعي، ومنها على الخصوص الاقتصاد الذي يعد عصب الحياة شرعا وعقلا.
ولأن الأطماع تزداد يوميا للتدخل في مصيرنا بالإملاءات الضاغطة، لنجد أنفسنا نصارع نظير الوضع الليبي، والسوري، والسوداني، والعراقي، واليمني.
ولأن الأوضاع بدأت تتعفن بين مؤيدي الجيش كورقة ثقة في تطهير البلاد وتحريرها، والناقمين عليه بسبب عمليات توقيف أذرع العصابات، حتى لنكاد نرى ضياع الأمن النفسي والاجتماعي والقومي، ولا غرو فإنه أول ما أراده سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام.
ولأن امتداد حالة الفراغ المؤسساتي الرئاسي سيدفع بالعسكر إلى التدخل للإمساك بزمام البلاد، وهو ما يرفضه الشعب الجزائري كله، يصبح مبررا للتدخل الأجنبي ومنه حجة فرنسا لذلك، وما النموذج السوداني عنا ببعيد.
سنبحث عن لقمة خبز، وشربة ماء، وسترة لباس، وهنيهة أمن، ولحظة هدوء، وخرجة تفسح، وصلاة مسجد، وتجوال شارع، وسمر ساحة، ودراسة في اطمئنان، فلن نجدها، بل سنقبع في البيوت مسجونين في ديارنا بغير إثم، سوى ذنب التفريط في الأمن بالتولي عن فريضة الانتخاب لاختيار قائد البلاد ورأسها.
وإن تحجج البعض بانعدام الثقة في المترشحين، وقد أوافقهم، فالسبب في رأيي هو الامتناع عن توقيع استمارات لرجال مخلصين وطنيين أمكن لنا تسليمهم قياد البلاد ولو مؤقتا، نرافقهم في إصلاح ما تبقى للمرور إلى البناء التام المنشود.
ولنعلم أن هذه الانتخابات ألجئنا إليها، (ومن خدعنا بالله انخدعنا له)، ولو من باب ارتكاب أدنى الأضرار لدرء أعظمها، وهي قاعدة شرعية عظيمة الشأن.
دون تزكية للنظام، أوجهة معينة، أومترشح معين، أوغير ذلك، إنما هي نظرة شرعية متفحصة جدا، لإنقاذ البلاد من الفوضى وتجنيبها مآلات خطيرة قد يكون من بينها الاقتتال بين عصب متعددة، لتحقيق الأهداف المجهولة بالنيابة.
لذلك كان لزاما علينا التعقل والابتعاد عن الهرج والمرج في المطالبات المجانبة لحكمة الشرع، وهدوء أولي النهى، وعقول الكبار، ولنعتبرها فرصة إنقاذ في طريق مطالبات واقعية لاستكمال ما تبقى أوما نقص من حلول متوسطة وطويلة المدى.
أسلم الله بلدنا لمن يأخذ بيده، إلى بر الأمان، وشعبنا لمن يعلي شأنه بين الأمم.
الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم