من تجليات الحراك المبارك

بدا لي هذه الأيام أن الحراك الشعبي المبارك منقسم إلى أقسام رئيسية:
أ) القسم الأول:
ثلاثة أطياف متفقة على بغية واحدة، وهي التحرر من الوصاية الفرنسية على البلاد، مختلفة في الوسائل والأساليب، وهي:
1/ الموافقون على الانتخابات، كضرورة مرحلية لدرء خطر داهم.
2/ معارضوها، دون شعور بما يدبر في السراديب.
3/ الجيش الوطني الشعبي وقيادته ذات التوجه النوفمبري، المخالفة تماما لقيادة جيش التسعينات.
وهؤلاء أحترم كلا منهم في اختياره، وفهمه، وقناعته، وافقته أم خالفته، لأن الاتفاق حاصل حول القيم العظمى، لا يلبث أن ينمحي من المشهد مباشرة بعد تذليل الخلافات الثانوية، والالتقاء حول الوسط الرئيس والسير معا في سبيل استقلال العباد والبلاد، لأن ذلك لا يفسد للود شيئا، أعتبر كلا منهم في دائرة الأخوة الجزائرية، اجتهد خارج دائرة اجتهاد غيره فقط.
ب) القسم الثاني:
1/ حاملوا القيم الاستعمارية من بني جلدتنا.
وكل أهدافهم باتت واضحة جدا، وهي عرقلة كل مسار نحو أي حل لتهيئة الظروف العادية الشفافة للمرور إلى انتخابات نظيفة تؤسس لرئاسة ومجالس منتخبة شرعية، لأن الصندوق لا يخدمهم البتة، لا يقبلون أي طرح إلا إذا كان في إطار التفاوض لافتكاك مكاسب التعيين تضعهم على هرم تسيير البلاد لاستئناف نهب ثرواتها بأوامر الأسياد هناك في الضفة الشمالية، وهم من استطاع اختراق الحراك وتحريف أهدافه، ولو بغض الأجفان عن الهتاف ضد فرنسا امتصاصا واستمالة، أما المخطط السري فهو شيء آخر تماما، فقد قال أحدهم قبل أشهر (لن نذهب إلى الانتخابات ولو أقيلت الباءات)، في إشارة إلى أن المطلب هو الواجهة الحاكمة، وإعادة رؤوس العصابة لقضاء المآرب، مغلفين هذا المبتغى بستار إطلاق سراح معتقلي الرأي(وإن كنت أوافقهم)، لكن نظر الأعين منصب على التفاوض حول تحرير الأذرع المالية والسياسية والإعلامية لفرنسا في الجزائر.
2/ أرباب المصالح المشبوهة من البارونات والمافيا.
وهؤلاء لا يهمهم من يحكم إن صان مصالحهم الشرعية وغير الشرعية، وتجنب المساس بها، وكأنهم طبقة سياسية أواقتصادية لها عقود تحترم كما يُلْتَزَمُ مع مختلف البلدان في إطار العلاقات المالية العالمية، يسيرون في فلك مشاريعهم بالتحالف مع من لا يهددها، أوضده إن لمسوا انحرافا عنهم.
3/ الحياديون.
وهم المترقبون للوضع، مبتغاهم الميل مع الغالب، حفظا لقابل الأزمان من التزعزع، وصونا للهيبة بسبب عدم الفعالية في المجتمع، لا يَلِجُونَ معارك المصير ولو بالكلمة، وقد تكون لهم موافقة مع المخلصين من أبناء الوطن، لكن كل مرة يضيعون فرصا كبيرة قد يشاركون بها في تكثير السواد الأعظم، وترجيح كفتهم، وهؤلاء في رأيي لن ينالوا تقديرا كما يناله غيرهم الذين يتفاعلون مع مقتضيات عقائدهم، وانحيازهم، ولن يذكر لهم التاريخ شيئا من يوميات ولا بطولات إلا الجانب السلبي، ولست مستعدا لاحترامهم بقدر احترامي لمن يخالفني الرؤية وقد اختار سبيله عن بينة.
ج) القسم الثالث:
1/ المعتدلون: وهي صفة مشتركة بين رقم 1و2 من القسم الأول، فمن الدعين إلى الانتخابات معتدلون في الطرح، يرون ضرورتها ليس لأجلها كغاية وإنما هي وسيلة درء مفاسد أرجح من معارضتها، ولو بالشرعية الدستورية فقط، أوالشعبية الناقصة، دون دون اتهام غيرهم بشيء، بل مقدرين لهم حقهم في الرأي والتعبير عنه، ما لم يوظفوه في تراشق عنيف، وبعض المعارضين لا يرفضونها، ولا يميلون إلى طرح المتوجسين من الصندوق الذي يرفع الأغلبية ولو دونهم، إنما يرونها حلا لكن بعد توفير كافة الشروط المواتية لاكتساب شرعية شعبية لا جدال فيها، دون تخوين غيرهم بالتملق لأيٍّ كان، مقدرين لهم توجههم موكلين النتائج للزمان.
2/المتطرفون : وهي صفة مشتركة بين رقمي 1و2 من القسم الأول، بعض المقتنعين بالانتخابات مشددون على ضرورتها ولو دون توفير أدنى ظروفها، رامين غيرهم جزافا، مدّعين الصواب المطلق غير ملتفتين إلى نظرة غيرهم ولو برد طَرْفٍ، ومن المقتنعين بعدم جدواها ولو بتوفير شيء قليل من ظروفها على سبيل التدرج متطرفون في المقاطعة، زاعمون على غيرهم كل الأوصاف والنعوت السيئة، غير مانحين لهم أنملة من حرية الرأي.
د) القسم الرابع:
العوام: وهم من لا حاجة لهم بها، تائهين بين يومياتهم وانشغالاتهم، واحتياجاتهم، واضعين أنفسهم على هامش التاريخ، قد يكون لهم تأثير داخل الصناديق في ميلان الكفة لصالح مرشح دون غيره ولو جزافا، أوأمية.
وإذا كان كذلك فلا مناص من الحذر والتريث والتأني في التحليل، والنظرة إلى الغير.
وفي رأيي، لنترك الفرصة تنتهي وتتفعل دون صدام بين إخوة الوطن الواحد، ونكل طبيعة الصواب والخطأ لنتائج الميدان السياسي والاقتصادي والتربوي والتعليمي، ثم يحين لكل طرف تحميل التبعة التاريخية للآخر، إن ظهر الصواب معه، كي نستفيد من درسه، فلا معلم لنا في هذه الحياة مثل نتائج الميدان، في حالة الاختلاف.
أخوتنا فوق كل اعتبار، وإذا كان حفاظنا على الأخوة أرجح مقصديا من التطرف للانتخابات أوضدها، فلنمسك بالأرجح ولنلقِ المرجوح أرضا يخل لنا وجه وطننا ونكون بعده قوما صالحين.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم