كبوة اللسانِ وعضَّات الـمَسَانِّ

راقبت نتائج تصريح الأستاذ خرشي، إثر ندوة الحوار، والنقطة التي استفزت أقلام وألسنة النقاد، رغم توفيقه في كثير من نقاط برنامجه الانتخابي، التي لم تنل قسطها الوافر من ترصُّداتهم للأسف.وبعد ذهولٍ، ودهشة من غرابة ما بدر منه في البدء، وتريثٍ مليٍ، وتقليب البصر، وتدوير السمع، وكثرة اتصالٍ، حول ما اعتبرته زلة لسان لمترشح يفتقد خبرة صراع انتخابي قاسية سهامه، لأن الحَكَمَ الأوليّ فيها استطلاع الرأي، وسبر الآراء، الذي يردي بمجرد هفوة اللسان والأركان وقرائن الجنان، ومع التأنِّي في اختيار محظوظ صوتي إلى غاية الخمس عشرة ثانية الفاصلة بيني وبين الصندوق، فإنه لزاما عليّ الالتزام بالإنصاف معه ومع ناقديه، والاعتدال في التبرير له أوضده، ولأنني لا أريد مسك السكين لطعن الجمل قبل سقوطه بَلْهَ أن يسقط، فإنني أرى أنه كان واضح التعبير في جزئيات، معجما في بعضها، لكن أرداه ارتجاله في شبهة التباس فهم كلامه، وعدم التحضير للإجابة على مسائل لا يتعافى منها أي مستجوَبٍ.

إن الرجل في تقديري أراد التعبير عن شمولية العقيدة لكل مسلم وتحكيمها في التعامل، مهما كانت اللغة، ضاربا مثال السهم الذي لا يمكن له الانطلاق برأسين، وعلى أخوين أحدهما كبير جاهز والآخر لا يزال رضيعا، لا يمكن الاعتماد عليه قبل الجاهز.ثم ذكر تطور الحرف العربي على الحرف الأمازيغي، وهذا أمر يعرفه إخواننا الأمازيغ.   أما قوله: إنه لا توجد لغة عربية فيقصد به المفهوم الضيق لها، لأنها لغة القرآن، يعني أن شرفها يعود إلى كلام الله، لأنه أعظم منها، ولولا نزول القرآن بها ما تطورت ولا شاعت ولا كان لها فضل ولا خرجت من الجزيرة العربية. أما قوله: إنه لا ينتمي للعروبة فيعني أنه ليس عروبيا من قومية ميشال عفلق المسيحي التي سلخت جسد الأمة، وهو قول صحيح سليم.إن الرجل في توقعي خانه التعبير كثيرا، بحكم تمرسه في الإطار الإداري الصارم أكثر من الإطار الديبلوماسي المرن الذي يختار للمقامات كلماتها. ودليل كلامي طبيعة انتمائه البيئي، وتكوينه العقدي الفكري، ومحيطه الاجتماعي والطلابي، ومؤلفاته ومقالاته المعبرة عن معدنه. ثم لا ننسى طبيعة التعهد الموقع كشرط للترشح، ومنه احترام عناصر الهوية المنصوص عليها دستوريا، وعدم التعرض لها بسوء أثناء الحملة الانتخابية، وهو شرط يكفي لإرباك المعَرَّضِ لمثل هذه الألغام.إن الدافع في رأيي إلى الشدة التي مُسِك بها لسانه من قبل الناظرين بعين الشفقة على اللغة العربية وتضررها في بلادها سببه التآمر البغيض عليها سلطة وفئات، منذ الاستقلال إلى الآن، وما تآمر بن غبريت الواضح عنا ببعيد، وهذا وضْعٌ له عذرُه التام الذي أوافق عليه، لأن التطرف في التصرف ضد لغة القرآن يجرُّ إلى تطرف مقابل ضد أي لغة غيرها.ثم لا ننسى الإيعاز الخفي المتعمد ضده من أنصار اللغة الفرنسية بسبب وصفها لمن اعتبرها ميراث حرب بالأمة والسبيّة لا بالسيّدة في بلاد لها لغتها الأساس، لذلك أدعو إلى الانتباه إلى مثل هذا المكر من قوم دأبوا على الخبرة في إبلاغ صوتهم بألسنة خصومهم، ليكون أدعى إلى التلقي، كمن يأكل البصل بفم غيره، ويجني الشوك بيديْ غيره، وكمن يريد تشويه وطنية الأستاذ إيهاما للرأي العام بأنه مرشح الجيش كي يحقق مكر الصد عنه، والانتهاء من صداع ارتعاش العصابة منه، وما تجوال ممثل السفارة الفرنسية في هذه الأيام بعد ترسيم رغبة ترشحه إلا دليل واضح، فليكن إخواني الوطنيون على حذر.أما نصيحتي إلى أنصار اللغة العربية هو عدم التعصب والتشدد والنظر بمعيار واحد إلى كل صيحة، فلا ينبغي السقوط في فخ (يحسبون كل صيحة عليهم)،، لأنه مهما يكن فالمسلمون كلهم إخوة بعربهم وعجمهم، لا ميزة لأحدهم إلا بالتقوى، وميزاننا هو العقيدة ومدى تعلق المسلم بها، فالمسلم مستعد لقطع حبل الوصل بينه وبين شقيقه العربي أوحتى والديْه لأجلها، ولو بشد الميثاق الغليظ مع قبائلي أوشاوي أوتارقي أوغيرهم بسبب التوافق عليها،، فإن في بلاد العرب أفاضل وعلماء أجلاء، مثل ما في بلاد الأمازيغ وغيرها من الأفغان والهند وباكستان، وفي كل منها منافع ومفاسد، نرجح المنافع وندع المفاسد، وهذا ما علمناه ديننا وكتاب ربنا في المقارنة بين المنافع والمفاسد، في الخمر والميسر، والجهاد والتولي.  ونصيحتي لكل إخواني بالحذر من تضييع فرصة الانتصار للوطنيين المخلصين بإيعاز خبيث من أنصار العصابة للتصويت على مرشحها فيخرج كلَّ من زُج بهم في غياهب عواقبهم، موهمين وطنية أنفسهم لاعتلاء عرش المرادية، وما اختراقهم الحراك الشعبي المبارك الذي كان موحدا، وقدرتهم على صرف وجهته عن هدفه إلى أهدافهم إلا خير برهان.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم