قراءتي في بيان الشخصيات الستة عشر

الحمد لله الذي يقيض للبلاد من يبادر بفك الخناق عنها كلما لاحت إرهاصات الانسداد،، وإن كنت متمسكا بقناعاتي فيما يخص الوضع وآماله وآلامه، بضرورة وصول الحراك إلى استقلال تام عن فرنسا.ومن الذين يمارسون المعارضة لنقول للمحسن أحسنت ولو كان من السلطة، وللمسيء أسأت ولو كان من المعارضة، لأنها في رأيي ليست من أجل استعراض عضلات الخلاف فقط، إنما هي إمداد السلطة بمقومات التطور والأداء الراقي دون نية الانقضاض على الحكم إلا بالانتخاب، ما يأباه بعض المتطفلين من صبيان السياسة، يهيأ لهم أنها تلك الشراسة في وجه السلطة وعدم الرضا على أدائها مهما كان ومن يقول لها أحسنت في مقام الإحسان فهو غاش.إن بيان يوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2019م الموافق لـ 16 صفر 1441هـ من طرف الشخصيات السالفة الذكر أعتبره مبادرة نحو خطوة انفراج الوضع وخروج المسار من عنق الزجاجة، له وعليه باعتبار محرريه بشرا يعتريهم الصواب والخطأ.
وإذ أسجل تفتحي على كل ما يستهدف المشاركة في الحلول الممكنة للمساهمة في المضي بالبلد إلى الأمن والأمان والاستقلال التام، لأن حرية الفكر والتعبير عنه مكفولة للجميع شرعا وعقلا، فإنني أسجل كذلك بعض التحفظات لا لازدرائها لكن بالنظر إلى محدودية العمل البشري مهما كان.
ومن هذه التحفظات ما يلي:
1/ من الأعراف الديبلوماسية والسياسية والفكرية تبادل الاعتراف بالمحاسن المختلفة في كلام أي متدخل عبر المحاضرة أوالمقال أوالحصة أواللقاء، لتسجيل نقاط إصابة المستمع إليه والمقروء مقاله وغيرهما، لكن البيان سجل الهبة الشعبية في حراكها المبارك وقيمتها على التغيير المنشود، ولم يتطرق إلى شيء من جهود الجيش على الأقل في الحفاظ على الدماء وتعهده أمام الله والتاريخ والشعب بعدم المس بقطرة دم أي جزائري، ولو كان هذا من واجبه وليس تفضلا منه إلا أنه على الأقل خالف الأعراف العسكرية التي تقمع بالعنف المسلح، وهذا الذي أراه من باب الإنصاف.
2/ كان على الدكتور الإبراهيمي الموافقة على اقتراح الشعب توليه رئاسة الدولة قبل هذا اليوم، لكنه أدار ظهره له (في نظري)، فلا أدري سر هذا التراجع، فليراجع منشوري في انتقاده.
3/ قلة الموقعين على البيان، يحوجه إلى المصداقية التامة وربما يضعف موقعه في الطرح، فهل له دلالة على رفض الكثير من الشخصيات المقبولة شعبيا؟ أم أن الجماعة اقتصروا على أنفسهم ولم يتجشموا عناء الاتصال بغيرهم؟
4/ اقتصار توجيهات سهامها على السلطة فقط، خاصة الفعلية، دون بعض عناصر الحراك، وعموم الشعب في آليات المطالب والمسيرات والتجمعات، والإملاءات، وغيرها مما يحتاج إليه الحراك الشعبي المبارك باعتباره كذلك عملا بشريا غير معصوم، رغم صدور عبارة عدم تحميل الحراك مسؤولية الحلول.
5/ تجاهل الإنكار على بعض المتلبسين بالحراك في وقت يتلقون الأوامر والإملاءات من جهات أجنبية وبالأخص فرنسا، ويخدمون أجندات أجنبية، ما يسهم في تشنج المواجهة بين الفاعلين في المشروع الشعبي للاستقلال التام عن استنزاف هوية الشعب وثروات البلاد، رغم استعمال كلمة الاستغلال التي لا أراها واضحة للقارىء بجلاء.
6/ الإصدار باسم الأغلبية رغم أن شخصيات البيان لم تكلف نفسها عناء البحث عن الرافض للانتخابات من الداعي إليها، وامتعاض الناس من التحدث باسمهم.
7/ أشار البيان إلى استعمال الدستور لعبة من قبل السلطة، متناسيا أن بعض الموالين لفرنسا هم كذلك يتلاعبون بالدستور للوصول إلى الأهداف المرجوة، وكان عليه رفض تلاعب الجميع بمصطلحاته.
8/ أوافق البيان تماما في نقده السرعة في تشكيل لجنة الحوار، والسلطة المستقلة للانتخابات، إلا أنه لم يشر إلى إقصاء كثير من الفاعلين من عضويتها، مثل الوطنيين والإسلاميين وكأنهم ليسوا جزائريين.
9/ عدم تنبيه مرتادي مسيرات الحراك الشعبي المبارك إلى آليات تفعيل مواد السيادة الشعبية التي غالط بها بعض القيادات فئات من الشعب الجزائري.
10/ أشكر البيان على توجيه النصيحة للشعب الجزائري كي يواصل سلميته مشجعا إياه بالنمط الذي ضرب به المثل في نشر درسها للعالم.
11/ النقطة الأولى في المطالب أوافق البيان في شطرها الأول وهو ضرورة رحيل رموز النظام وأخص بالذكر الحكومة وبالأخص رئيس وزرائها، ولو من قبيل طمأنة الرأي العام على صدق النوايا في معالجة الإشكال.
أما الشطر الثاني فأظن أن محاربة منظومة الفساد على قدم وساق وربما أراه تلكأ هذه الأيام بسبب تخطيط فرنسا وعملائها وضغطهم لتعطيل العملية لأنها مهددة مصالحها.
12/ النقطة الثانية أرجو أن يقصد فيها البيان معتقلي الرأي وفقط، دون معتقلي الفساد، والتخابر، والعمل ضد البلاد بلقاءات واجتماعات خطيرة، ولذلك فمخابرات الجيش على علم بطبيعة المعتقلين وهي التي نطالبها بفرز واضح لتهدئة الأوضاع بتسريح من يستحق التسريح.
13/ أما عن المجال السمعي البصري فطبيعي أن يفتح للجميع، ولم لا تنظم الندوات واللقاءات والحوارات والحصص دون إقصاء ولا تمييز لوطني ولا إسلامي ولا علماني، ثم نترك القناعات والحجج والأدلة تعمل عملها، والفيصل هو متابعات الجمهور، ثم صندوق الاقتراع.
هذا عن السلطة، لكن تناسى البيان توجيه هذا المطلب للخواص المستقلين مثل القنوات وحسابات وصفحات التواصل الاجتماعي بضرورة سلوك السبيل نفسها، وعدم الاقتصار في الحصص على الموافقين دون المخالفين، والحجة والواقع هو الذي يقنع هذا وينفر هذا.
14/ أما المطالبة برفع الحصار عن العاصمة، فهو طبيعي، رغم التماسي العذر فيه ربما للسيطرة على عملية البحث عن المندسين، مع تحفظي على التاركين لولاياتهم محاولة للتأثير على الرأي العام الدولي انطلاقا من العاصمة، لكن تحفظي على هذا المطلب هو تناسيه الإنكار على مرافقة بعض المشبوهين ومنهم أجانب تم القبض عليهم بين أوساط الشعب في مسيراته.
15/ المطلب السادس هو إعادة للمطلب الثاني.
16/ مطلب الحوار لا يرفضه إلا متعصب، لكنني أرى أن تضبط له آليات جادة جامعة بين كل الأطراف الفاعلة وبالأخص الوطني والإسلامي والعلماني، مع إقصاء كل من ثبت ضده عمل مشبوه أوفساد مع العصابة أواجتماع خطير على البلاد، أوتخابر وتنسيق مع الأجنبي خاصة فرنسا، لأن الحرب في رأيي هي الآن بين الجزائر وفرنسا، والتعهد بالتزام مخرجاته وقبول الانتخابات الناتجة عنه، وعدم العمل على عرقلتها من قبل من يرى نفسه أقلية أمام الأغلبية الشعبية، وليكن له في السيد نبيل القروي اقتداء.
17/ أما النقطة الأخيرة فأراها نصيحة حكيمة لضبط النفس وتجنب الوقوع في الفتنة الداخلية.
في الأخير أطالب السلطة بالنظر في هذه المبادرة، ولو بالقراءة المتأنية، لعل الخير يأتي منها بالآليات التي سبق أن ذكرتها، ومن يدري لعل العمل بها لا يؤثر على توقيت الانتخابات لو عرفت كيف تعدلها ولو بالتقليص في آجال مراحلها المختلفة.
ولنجنب بلدنا الضغوط الدولية إذا ظهر لها توافقنا وتلاحمنا.
ما خاب من استشار ولا ندم من استخار،، ومن شاور الناس شاركهم عقولهم،، والأصل في الناصح الأمانة والصدق إلا إذا عرفناه في لحن القول أثناء تبادل الحوار.

الأستاذ سعدالدين شراير

أستاذ مادة العلوم الإسلامبة في التعليم الثانوي، متخرج من جامعة الجزائر العاصمة بشهادة ليسانس في العلوم الإسلامية، خبرة 37 سنة تدريس

أحدث أقدم